صباح يوم 21 نوفمبر عام 1995، فوجئت عند دخول المكتب فى مؤسسة روزا اليوسف بخبر وفاة صاحبة الصوت الملائكى ليلى مراد. سارعت إلى الشقة التى احتضنت أعوامها الأخيرة وكانت على بُعد خطوات من المؤسسة، بادرنى المخرج الراحل زكى فطين عبدالوهاب وملابسه ما زال عليها التراب بلهجة لا تخلو من الانزعاج «أنا لسه تراب دفن أمى على هدومى، هتكلم أقول إيه؟».
جاء شقيقه أشرف وجيه أباظة ليهدئ الأجواء، محاولاً إيضاح صعوبة اللحظة. حاولت تبرير هذا الموقف الشائك بين مهنة الصحافة ومعاناة أهل المتوفين.
مرت لحظات وكشف لى الابنان الأيام الأخيرة وتفاصيل وفاة أميرة أحلامنا ليلى مراد.موقف آخر كان له وقع ألم إنسانى أشد وأنا أتجول داخل شقة عبقرى الموسيقى بليغ حمدى فور إعلان وفاته.. شعرت بفقدان أعز الأصدقاء، جمعتنا لحظات لا تُنسى.. حوارات بين النغم والحياة والسياسة.
قبل وفاة بليغ حمدى بأيام دعانى لتناول الغداء، ونُجرى حوارنا مع أطباق «الملوخية» التى كان يعشقها. تركت المعزين للتجول داخل حجرات الشقة المطلة على ميدان سفنكس على أمل العثور بين ذكرياتها وجدرانها على ما يساعدنى على كلمات الرثاء، فالصحفى -أولاً وأخيراً- لا يستطيع الانسلاخ عن المهنة فى جميع الأوقات وتحت كل الظروف.
من جديد فجّر رحيل المبدع صلاح السعدنى إشكالية أصبحت تتكرر للأسف فى لحظات دقيقة وخاصة تفصل بين دور الصحفى الحقيقى الذى يمتلك المهنية واللياقة، ويلتزم بالحدود الفاصلة بين حق ممارسة المهنة واحترام مشاعر أسر المتوفين وحرمة الموت.
المشهد أصبح معتاداً عند أداء كل واجب عزاء فى أحد المشاهير بحكم الصداقة، نصطدم بأعداد مهولة لا علاقة لهم بالوسط الصحفى، حتى بلغ الأمر أن أحد الدخلاء حاول الكشف عن جثمان الفنان الراحل نور الشريف داخل السيارة فى انتهاك صارخ لقدسية الموت.المؤكد أن هذه المشاهد المشينة لا تحمل بصمة الصحافة والإعلام. بعد أن اختلطت المعايير بين الصحفى ومجانين الشهرة من البلوجرز واليوتيوبرز، تتكرر المطالبات بعد كل تشييع لجنازة أو تقديم واجب العزاء فى أحد المشاهير أن توضع معايير وضوابط محددة للحد من الفوضى والتنمر فى الجنازات لأن عدداً كبيراً ممن يقومون بها غالباً ليسوا مندوبى قنوات أو مواقع صحفية محترمة، فالمعروف أنها لا تستدعى هذه الأعداد الكبيرة من المتطفلين.
بالتأكيد هو استغلال مكشوف من أصحاب صفحات الفضائح على وسائل التواصل الاجتماعى، خصوصاً فى مناسبات حضور مكثف من المشاهير لتقديم واجب العزاء، عندها يتم اندساس هؤلاء بين الصحفيين والمراسلين.بيان نقابة المهن التمثيلية جاء كإجراء وقتى يضمن احترام الخصوصية التى اختارتها أسرة الفنان الراحل صلاح السعدنى.
ضوابط الاتفاق الذى أسفر عنه اجتماع نقيب الصحفيين خالد البلشى مع أشرف زكى نقيب المهن التمثيلية الصحفية كانت تقتضى المزيد من التحديد فى صيغتها، إذ لا يشمل الاتفاق أى تفاصيل عن إسناد تنظيم التغطية لشركة خاصة، لكن أهم بنود الاتفاق إصدار بطاقة للقائمين بالتغطية من الصحفيين والمصورين.
فى انتظار الضوابط التى سيتم الإعلان عنها من قبَل نقابة الصحفيين التى ستحسم هذه الظاهرة المخزية المتكررة بعيداً عن التفاهمات الودية أو الشفوية.
شرف ممارسة مهنة الصحافة لا يلوثه التطفل وانتهاك آلام المشاهير وحرمة موتاهم. أخبار الشخصيات العامة، حتى تلك التى تمس بعض جوانب حياتهم الخاصة، هى أيضاً ملك جمهورهم ومحبيهم طالما هم على قيد الحياة، لكن هذا الحق ينتهى عند احترام حضرة وقدسية الموت باستثناء قبول أحد الأقرباء الحديث عن أى تفاصيل.
غير ذلك، فأى مقارنات عقيمة بين تاريخ التغطية الصحفية لجنازات الشخصيات العامة من القادة والمبدعين التى سجلتها عدسات مصورين أساتذة فى المهنة وضوابطها بالتأكيد لن تكون فى صالح حالة الفوضى الحاصلة حالياً. بديهياً، أى منطق حول هذه الإشكالية لا يمس حق متابعة الصحافة والإعلام لأى حدث.
الأهم أن لا يشوه هذا الحق هوس الترند ومواقع التواصل الاجتماع.التضارب بين آراء الصحفيين والإعلاميين حول بيان نقابة المهن التمثيلية أو أى طلب للخصوصية من أسر المتوفين لا يحمل شبهة إهانة للصحافة إذا فُهم فى إطار وضع حد للممارسات المخجلة من غير المنتمين للوسط الصحفى والإعلامى.
تاريخ العمل الصحفى الاحترافى كان دائماً يحفظ التوازن بين طبيعة وضروريات المهنة عند نقل آخر ذكريات فى حياة المشاهير عبر صيغة تفاهم مع أسرهم بعيداً عن تزييف تفاصيل من الخيال. صحيح أن مواجهة هذه المواقف الشائكة تتطلب من الصحفى درجة عالية من الصبر والتقدير لموقف الآخرين، إلا أنها تظل جزءاً من مصاعب المهنة.
فى انتظار إعلان المزيد عن الضوابط التى تم الاتفاق عليها بين النقابتين لحماية خصوصية أسر المتوفين من الشخصيات العامة ويضمن نقل التفاصيل الصادقة لجماهيرهم بموافقة أسرهم عن طريق صحفيين مهنيين، ولا عزاء لتجار وسائل التواصل الاجتماعى وبيع صور المشاهير فى لحظات الحزن والألم.