فى واحدة من الزيارات السريعة للعاصمة الأمريكية واشنطن، حرصت على الذهاب لمدينة زرتها أكثر من مرة هى مدينة «الإسكندرية» التى تقع على الضفة الغربية من نهر البوتوماك، عشرة كيلومترات جنوب العاصمة. ويمكنك عبر خطى المترو الأصفر أو الأزرق الوصول لمحطة (King Street Station) وبذلك تكون قد وصلت للمدينة.
تتبع «الإسكندرية» إدارياً ولاية «فيرجينيا»، المجاورة لواشنطن، لكنها عملياً ضاحية من ضواحى واشنطن، مثلما هو حال منطقة «إمبابة» مثلاً، التى تقع على الجانب الغربى لنهر النيل وتتبع إدارياً محافظة الجيزة، لكننا نتعامل معها كونها إحدى مناطق مدينة القاهرة.
أحب زيارة شوارع هذه المنطقة الجميلة بسبب اسمها الذى يذكرنى بمدينتى «الإسكندرية» المصرية، التى عشت بها عمرى كله، لذلك أشعر فيها بخليط فريد من نوعه بين الحضارة الشرقية المصرية، والحداثة الغربية الأمريكية. خطر لى أن أتقمص لوهلة شخصية «تشارلز ديكينز» لأضع ملامح «قصة مدينتين»، وأعرف الفارق الحقيقى بينهما.
قابلت فى «الإسكندرية» شاباً أمريكياً من أصل آسيوى يُدعى «لى» (كعادة كل الآسيويين)، وهو يعمل بأحد مطاعم المأكولات البحرية، التى أحرص على زيارتها لمقارنة طعم السمك السكندرى المصرى بالأمريكى (وهما مختلفان تماماً بلا أى تشابهات).
فى مناقشتى مع الشاب سألته: «ما الحلم الأمريكى؟». كان الرد فلسفياً بسيطاً مُركزاً: «الحلم الأمريكى هو أن تحصل على حقوقك، مهنة ومنزل وسيارة». أُسقط فى يدى؛ فبهذا المعنى يصبح «عندهم زى عندنا». عندما تعمقت أكثر فى الأمر وجدت أن كلامه صحيح لكنه مبتسر، فالحلم الأمريكى هو أيضاً «إمكانية» أن تصل إلى أعلى نقطة إذا امتلكت أكبر إمكانات.
تحقيق «الحلم الأمريكى» له جانب متوحش؛ فبشكل عام «السيستم» الأمريكى مُصمم لأن يجعلك مربوطاً به طوال الوقت، ومديوناً له مدى العُمر؛ فحين تُكمل دراستك الأساسية المجانية، غالباً لن تستمر لما بعد ذلك، ولكن إن أردت، فعليك أن تقترض من بنك ما ليساعدك على إكمال تعليمك (وستواصل تسديد هذا القرض لعشرات السنوات بعد تخرجك).
أما بيت أحلامك، فبعد أن تجد عملاً لعامين على الأقل، ستبحث عن منزل، وبمجرد أن تجده، ستدفع ما يوازى نحو 3% فقط من ثمنه (يمكنك دفع أكثر إذا أحببت تسهيلاً على نفسك مستقبلاً)، وتسكن فيه على الفور، على أن تقوم بتقسيط باقى ثمنه على الأعوام الثلاثين القادمة، ويُضاف إلى القسط قيمة الضريبة العقارية التى تُفرض على كل البيوت هناك، وبالتالى فأنت ستسكن فى منزلك «التمليك» بتقنيات الإيجار، ستظل تدفع مبلغاً شهرياً طوال عمرك (تذكَّر أيضاً مبلغ قرض الدراسة السابق).
أما السيارة، فأنت ستكون أمام اختيارين، إما أن تتملك سيارة بسعر معقول، أو أن تقوم بأخذ السيارة التى تحبها من أحد المعارض على أن تدفع شهرياً مبلغاً مقطوعاً متفقاً عليه يختلف باختلاف السيارة من حيث نوعها وسنة إنتاجها وغيرها من المعايير. بعد مرور ثلاثة أعوام ستكون أمام اختيارين: إما أن تُعيد السيارة وتأخذ أخرى جديدة، من أى نوع تريده، أو أن تدفع ما بقى من ثمنها وتتملكها (وهذا هو نظام «التأجير التمويلى» الذى نتمنى أن يُطبق فى مصر).
خلاصة القول هو ما يُقال دوماً إن عالمنا العربى ينفرد بظاهرة فريدة وهى تحول الحقوق إلى أحلام. فالشاب العربى البسيط يحلم بوظيفة ومنزل وسيارة. وبسبب صعوبات الحياة تزداد معدلات الهجرة من العالم العربى، الداخلية والخارجية، وبشقيها الشرعى وغير الشرعى، بحثاً عن الحقوق.
كل ما فعلته أمريكا (أرض الأحلام)، هى أنها أعطت لكل شخص حقه على قدر عمله، وهذا استناداً إلى الجملة الواردة فى إعلان الاستقلال التى تقول: «الناس متساوون ولهم بعض الحقوق غير القابلة للتغيير: الحياة والحرية وتحقيق السعادة». لا توجد أسرار أو أساطير فى الموضوع، ويمكن للجميع تعديل تلك الأنظمة بما يتوافق معهم، ثم المضى قُدماً فى التطبيق، المهم هو «تحقيق السعادة».