كل عام ومصر بخير وسلام بمناسبة الذكرى الخمسين لنصر مصرى عظيم، حرب أكتوبر المصرية، أو حرب تشرين السورية، أو حرب يوم الغفران العبرية. هى واحدة من مكونات الوجدان المصرى عبر تاريخه الطويل، مثلها مثل «عين جالوت» قطز، و«حطين» صلاح الدين.
فى أثناء حرب أكتوبر المجيدة، لو عاش بعض «نشطاء» مواقع التواصل الاجتماعى ممن يوجدون بيننا هذه الأيام، لقال بعضهم إن كل أحداث هذه الحرب وهمية و«فوتوشوب»، أو إن الجيش المصرى يستخدم القوة المفرطة مع الأعداء.
ولأخرج لنا حكماء الثورة من بطونهم ما تيسر لهم من عبارات شديدة العمومية بالغة السطحية مما تجتذب، كمصيدة الناموس، أصحاب العقل العميق والمجوّف، عبارات من عينة «العنف يؤدى إلى عنف» أو «إن التعايش السلمى هو أقصر طريق للمستقبل»، أو (دعونا لا نُغفل مبادئ حركة «5 يونيو»)!
بجانب هذا سيبدأ الفلاسفة فى التنظير وتصدير أطروحات من عينة «وجّهوا أموال الحرب والتسليح للغلابة»، و«ما معنى الوطن؟ وما أهمية الأرض؟». وسيخرج إعلاميوهم بنظرية «بلاها سينا، الشقة واسعة نعيش فى أى حتة».. وكل ما سبق مع موسيقى تصويرية من لحن «يسقط حكم العسكر»، الذين يديرون العمليات العسكرية وحدهم دون الرجوع لقوى الشعب المدنية، مع التأكيد أن الجيش المصرى يُلقى بالشباب النقى لحتفه!
ما سبق ليس غريباً أو مستحيلاً، رغم سخافته، فرغم مرور نصف قرن على انتصارات أكتوبر المجيدة، أطلق بعض صغار السن ممن يُسمون أنفسهم «نشطاء»، نظرياتهم التى تفيد بأننا هُزمنا فى حرب أكتوبر، أو على الأقل لم نُحقّق أى نصر! والواقع أن انتصار مصر فى حرب التحرير هو قطعة من وجدان المصريين، وجزء من ملامح صورتهم الإيجابية عن أنفسهم.
هؤلاء الغوغاء يُحدثون أثراً سلبياً لا يمكن لأقوى برامج أجهزة المخابرات المعادية أن تحقّقه. لو كان هذا اللغو صحيحاً، وهو قولُ واحد ليس كذلك، فكان يتعين ويتحتم ويجب على القائل أن يُعلن بوضوح وشفافية، مَن يخدم تحديداً بترديد هذا الكلام؟ إعمالاً بمبدأ الإفصاح.
فلا هو باحث عسكرى فى الأمر، بحيث يصبح رأيه ذا ثقل ويُؤخذ منه ويُرد، ولا هو صاحب وجهة نظر عميقة أو منطق متماسك يُجبرنا على تأمله. هو مجرد شخص ببغائى النزعة يُردّد ما يسمعه، أو ما يُملى عليه.
الطريف أن البعض لم ينزف قطرة دم واحدة إلا يوم ختانه أو يوم كان يعيث فساداً بأصابعه فى أنفه التى يدسها الآن فى قصة كُتبت حروفها بدماء آبائنا التى شربت الأرض منها آلاف اللترات ولم ترتوِ حتى الآن.
الطفل الصغير يفهم أننا لم نحارب من أجل التحرير الفورى لسيناء، بل للعبور واستعادة جزء من الأرض وتحريك الأوضاع، لتغيير الواقع والتفاوض، خلال بضع سنوات، من مركز قوة بشرعية نصر قابل للتكرار.
وهو ما حدث وتحرّرت كامل أراضينا وعاشت مصر فوق الجميع، رغم أنها تضم فوق أراضيها وبين شعبها الطيب، حفنة من «السفلة والأوغاد»، ولا ندرى كيف ترعرعوا فى وادينا الطيب، على حد قول الراحل العظيم صلاح عبدالصبور.. عموماً نحمد الله أن لدينا رجالاً حقيقيين، غير افتراضيين، لا يحتاجون «اللايك» للانتصار أو «التويتة» للفوز.