لماذا نكتب؟ والأهم من ذلك: من يقرأ؟ الواقع أنه لا توجد إجابة واحدة ثابتة، لكن يمكن من خلال تتبع نوعيات المقالات أن نستشف أسباب كتابتها، فهناك صحف فى مصر يُعد الكُتاب فيها بالعشرات، وهذا الإغراق يعوق لمعان المميز، فى ظل عشرات المقالات التى بلا لزوم، فلماذا تُكتب تلك المقالات؟ وكيف يحدث ذلك؟
هناك نوعية من المقالات تسمى «الرايجة الكدابة» وهى التى يتفهم كاتبها اتجاهات مواقع التواصل الاجتماعى فيسبح مع التيار ليصفق له البعض. وهناك نوع آخر اسمه مقالات «يا حلاوتك يا جمالك» وهى التى تختص مسئولاً أو مؤسسة بقصائد غزل صريح وغراميات وشوقيات للكبار فقط. ونوع ثالث اسمه «جرحونى وقفلوا الأجزاخانات» وهو الذى يحكى فيه الكاتب عن مشكلة حدثت له أو خناقة قام بها مع أحدهم دون أى ربط للخاص بالعام.
هناك كذلك مقالات «عميقة جداً» يستخدم كاتبها مجموعة مصطلحات معقدة من معارف متعددة ويبدأ فى تركيبها معاً فى عملية تقنية قد يقوم بها أى طفل يحب لعبة «الميكانو»، وستفاجأ إذا حاولت إعادة صياغة المكتوب إلى لغة طبيعية بأنه كمكعب الثلج الصغير تحت شمس أغسطس الحارقة.
بعض المقالات عبارة عن وصلات ردح أو كلام حماسى إنشائى إذا قمت بتكريره ولو عشر مرات لن تجد فيه معلومة واحدة عن أى شىء. وهناك مقالات أخرى تكتبها طائفة تسمى «الموحدون»، وهو تصنيف لا علاقة له بالدين، لكن هؤلاء يوحدون بين الأشياء ولا يفهمون حداً فاصلاً بين الدولة والنظام أو المعارضة والإصلاح أو النقد والانتقاد.
هناك من الكُتاب من يكتب المقال نفسه طوال عمره، ولكن ما يحدث هو إعادة ترتيب، كأن يقول: «كنا عظماء أيام الملكية».
وفى المقال التالى: «أيام الملكية كانت عظيمة»، وفى الثالث: «كم أنتِ عظيمة يا ملكية» وهكذا إلى أن يموت هو أو يتوب القارئ.
«المقال المتنكر»، هو قمة الإعجاز المقالى، لأنه ليس مقالاً لكنه «بيعمل نفسه مقال» ببراعة شديدة، فأنت لن تجد فيه فكرة جديدة أو معلومة طريفة أو أسلوباً رشيقاً أو بياناً صحيحاً أو وجهة نظر مميزة أو تحليلاً منهجياً أو حتى تسلية ما. هو كائن حى له بداية ووسط ونهاية، ويفيد كثيراً فى ملء الصحف، وهو أمر له أهميته بالمناسبة.
أن يحظى أى مقال «مالوش لزمة» برواج كبير، فهذا لا يجعل منه قيماً أو مفيداً بالضرورة، تماماً مثل أفلام السينما المصرية الآن فى مواسم الأعياد. وإن كان هناك قطاع من القراء يمكن وصفه بالـ«عيان» بحكم الواقع الثقافى، فلا يجب أن يكون الكاتب «ميت»، لأن عليه أن يساعد القارئ ويأخذ بيده، لأن علاقة العيان والميت لن تقدم الكثير لهذا الوطن.
إجابة سؤال «لماذا نكتب؟» يجب أن تكون فى إطار الإبداع وتحت مظلة التنوير والتثقيف والتعريف لإعادة صياغة مفردات الواقع بما يعيدنا مرة أخرى لما نستحقه ونتمناه، وما يتناسب مع دولة كانت دولة قبل أن يفكر أى أحد فى معنى كلمة دولة.