1000 عام من منح الشرعية الدينية للسلطة.. وتأييد الثورات بعد نجاحها
بسبب مكانتها العلمية والدينية ظلت مؤسسة الأزهر فى مرتبة مختلفة عن بقية مؤسسات الدولة، فعلاقتها بالسلطة ظلت محط أنظار كل من جلس على مقعد السلطة، وظل رضا مشايخها وعلمائها هدفاً لا يحيد عنه الحاكم، أو على الأقل يسعى دائماً إليه، حتى يضفى الشرعية على قراراته، ويستعين بها فى السيطرة على البلاد، فعلى مدار أكثر من 1000 عام هى عمر مؤسسة الأزهر، تباينت المواقف، البعض وجدها مؤيدة للسلطة على الدوام، والبعض الآخر يراها حيادية سواء كانت سلبية أو إيجابية تجاه الدولة، فبقيت علاقة الأزهر بالسلطة مثار جدل بين المؤرخين.
الدكتور عبدالمقصود باشا، رئيس قسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر، يصف مواقف المؤسسة الأزهرية تجاه السلطة بـ«الحيادية»، فالتأييد لا يكون من فراغ وإنما يتعلق بمدى صحة القرارات الحكومية، وما إذا كانت على حق من عدمه، ورصد بعضاً من تلك المواقف، ففى العصر الأيوبى تعرض الأزهر للصدمة الأولى، إذ هُمش دوره وأغلقت أبوابه أمام الدارسين والطلاب، إلى أن أتى الرحالة ابن جبير يزور مصر فى العصر الأيوبى ليعود إلى دوره من جديد. وأكد «باشا» أن الصدام بين الأزهر والسلطة يعود لسنوات طويلة، مشيراً إلى أن الصدام الذى وقع مع «المماليك» حينما فرضوا ضرائب على الشعب المصرى لمواجهة المحتلين لبلاد الشام، فرفض كبار علماء الأزهر ذلك، وعلى رأسهم الشيخ العز بن عبدالسلام، وضرب بكلام السلطان المملوكى عرض الحائط، وأصر على ألا تفرض الضرائب، إلا بعد أن يطلق الشيخ رجاله من الأزهريين يبحثون فى قصور الأمراء والسلاطين عن الكنوز، وهو ما حدث بالفعل، على حد تعبيره.[Quote_1]
ثم جاءت الحملة الفرنسية وفرض الفرنسيون الضرائب على المصريين، فلجأوا إلى الشيخ عبدالله الشرقاوى، شيخ الأزهر، وإلى الشيخ الأزهرى عمر مكرم، ليقف هؤلاء مع بقية الأزاهرة فى وجه السلطة الفرنسية، وحينما أراد نابليون بونابرت أن يمنح الشيخ عبدالله الشرقاوى أعلى قلادة فرنسية، ما كان من الشيخ الشرقاوى إلا أن نزع الشارة بعنف وألقاها أمام نابليون، وكان هذا صداماً آخر مع السلطة الحاكمة فى مصر، بحسب ما رصده «باشا».
ونظم الأزاهرة صفوفهم فيما يسمى الجيش الأول والثانى والثالث من أجل الاعتراض على النظام، وهو ما دفع الملك فاروق لعزل شيخ الأزهر وقتها، واضطر الأخير للاعتكاف فى بيته اعتراضاً على القرار.
واعتبر «باشا» استقالة الشيخ الشعراوى من منصب وزير الأوقاف فى عهد السادات موقفاً صدامياً مع السلطة، مؤكداً أن معظم الأزاهرة كانوا مع نبض الشعب.
إلا أن الكاتب الصحفى حلمى النمنم يرى أن مؤسسة الأزهر لم تصطدم مع النظام منذ نشأتها، ورصد مواقف تاريخية فى كتابه الأخير «الأزهر.. الشيخ والمشيخة»، أكد خلالها أن شيوخ الأزهر وعلماءه الكبار لم يصطدموا بالسلطة وأن الصدام عادة كان يخرج من صغار الأزهريين أو الصفوف الثانية. وأشار إلى أن هناك مواقف عديدة لشيوخ الأزهر تدل على تهادنهم مع السلطة، ولكن بعضها اقتصت منه أجزاء ليبدو الأزهر فى مظهر المعارض وهو ما لم يحدث، وحول ما أشيع عن أن «عبدالناصر» اصطدم مع الشيخ شلتوت فى قراراته، أكد «النمنم» أن الشيخ شلتوت كان أكثر المؤيدين للرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى قراراته، والموقف الذى وصفه البعض بأنه موقف صدامى بين الأزهر والسلطة، حقيقته أن «شلتوت» أرسل رسالة يستغيث فيها من وقف صرف مستحقاته المالية فاستنجد بعبدالناصر وقال له «اتق الله نحن الأزهريون»، فاعتبرها البعض موقفاً صدامياً، وهذا غير حقيقى.
وأشار «النمنم» إلى أن كبار علماء الأزهر كانوا يتبعون منهج الأزهر فى موالاة السلطة، فأثناء الحملة الفرنسية على مصر، كان شيخ الأزهر يدعو من على المنبر لنابليون بونابرت، وكان الشيخ المهدى، أحد كبار علماء الأزهر الذى لا يقل أهمية عن شيخ الأزهر، وقف ودعا لتأييد نابليون. وتابع «النمنم» أن المجاورين الصغار كانوا من أبناء الشعب، وكانوا أكثر تضامناً مع طبقات الشعب باختلافها، ولهذا كانوا يشاركون فى الثورات وينتقدون السلطة، فبحسب قوله: «فى ثورة 19 دخل المسلمون والأقباط الأزهر، وخطبوا من فوق منبره، إلا أن الشيخ أبوالفضل الجيزاوى، شيخ الأزهر وقتها، لم يكن له موقف رسمى تجاه الثورة والتزم الصمت».
ووصف «النمنم» الشيخ المراغى، شيخ الأزهر فى عهد الملك فاروق، بأنه مهندس الشرعية لقرارات الملك، فحين أراد «فاروق» الخروج من أزمة تأييده للحلفاء من عدمه أثناء الحرب العالمية الثانية، خرج «المراغى» بفتوى أن الحرب ليس لنا فيها بعرة أو بعير، لكى يعرب عن تأييده لأى من الطرفين المشاركين فى الحرب.
وحين غضب «الضباط الأحرار» من الرئيس محمد نجيب كان للشيخ عبدالرحمن تاج الدين، شيخ الأزهر، موقف خاص، إذ اعتبر ذلك خروجاً على الدين.
وتابع «النمنم» يقول: «لم يحدث على مر التاريخ أن مشيخة الأزهر وكبار العلماء وقفوا ضد السلطة»، حتى عندما قرر الرئيس السادات توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» مع إسرائيل، دعمها شيخ الأزهر وقتها بقوله: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها»، وفى عهد مبارك كان الشيخ جاد الحق على جاد الحق، شيخ الأزهر، يؤيد قرارات مبارك أياً ما كانت، فأيد قراراته فى إرسال الجيش المصرى لتحرير الكويت.
وأشار إلى موقف الأزهر أثناء ثورة 25 يناير، بحيث لم يخرج الشيخ أحمد الطيب إلا بعد ما تأكد للجميع نجاح الثورة، فأعلن تأييده لها. ووصف «النمنم» موقف «الطيب» عندما انسحب أثناء خطاب رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسى بأنه موقف يتعلق بالكرامة وليس بالموقف السياسى، إذ إن «الطيب» فوجئ بأنه لا مكان له بين المقاعد المخصصة لكبار المشاهير، فاضطر للانسحاب.
أخبار متعلقة:
الأزهر الشريف.. فى قلب معركة «الدين والسياسة»
الكعبة الثانية.. تبحث عن"استعادة التأثير" بعد الثورة
«أعمدة»الجامع.. قِبلة علم أصابها التآكل
غاب عن الدعوة.. فظهر المتشددون والدعاة الجدد
أقباط: علاقة الأزهر بالكنيسة يحكمها توافق الإمام والبابا
1000 عام من منح الشرعية الدينية للسلطة.. وتأييد الثورات بعد نجاحها
الميزانية.. 6.8 مليار تلتهمها الأجور
د.أحمد عمر هاشم: الأزهر إرادة الله.. والسلفيون لن يسيطروا عليه
أحمد بهاء الدين شعبان: اليوم وزير الأوقاف سلفى.. ولا نعلم غداً من سيكون شيخاً للأزهر