د. أيمن عيدالحجار يكتب: قصة حديث
د. أيمن عيدالحجار
عن أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِى مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْى عَنِ المُنْكَرِ» متفق عليه.
قصة هذا الحديث أن النبى عليه الصلاة والسلام حذَّر أصحابه من الجلوس فى الطرقات بغير داعٍ أو مصلحةٍ حتى لا يكون الإنسانُ عائقاً فى طريق الناسِ، وسبباً فى التضييق على المارَّة فى طريق سيرهم، فما كان من الصحابة الكرام إلا أن أبدوا عذرهم فى ذلك، بأن مصالحهم وأمور معاشهم ترتبط فى بعض الأوقات بالجلوس فى الطرقات كبيع وشراء وانتظار لحاجة تتعلق بأمور معاشهم، فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن وجههم إلى التزام آداب الطريق طالما أنهم لا يستطيعون ترك ذلك طالما أن الحاجة ماسة لجلوسهم فى الطرق، وبيّن لهم جواز جلوسهم طالما التزموا بالآداب والأخلاق والسلوكيات الحميدة، وحذرهم عليه الصلاة والسلام من ترك الآداب المتعلقة بذلك، كما حثهم على ضرورة مراعاة تلك الآداب، حرصاً على سلامة الناس من كل ما يضرهم حساً ومعنى، فالناس شركاء فى طرقهم التى يسيرون فيها، فكان لهذه الطرق من الحقوق والواجبات التى تحفظ على الناس سلامتهم وأمنهم وتيسير معاشهم، كما أن الالتزام بهذه الآداب يُديم الألفة والمودة بينهم، ويمنع وقوع الأذى، وتطاول الناس على بعضهم باللسان واليد مما يجلب الشحناء والبغضاء بينهم، وأهم هذه الآداب: أن يغض الإنسان بصره عن مطالعة ما لا يحل له، فغض البصر قد جاء الأمر به فى قول الله تعالى «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...» [النور: 30، 31] فالإنسان مسئول يوم القيامة عما رأى وأبصر «إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً» [الإسراء: 36].
ثم وجه صلى الله عليه وسلم إلى كف الأذى، ويشمل النهى عن كل ألوان الإيذاء، ومن ذلك الأذى بالقول أو الفعل أو الإشارة أو حتى مجرد النظر الذى يمتلئ غيظاً وقسوة. وأيضاً منه أذى الناس فى طرقهم التى يسيرون فيها سواء على أقدامهم أو بالسيارات، فينبغى ألا يقوم بتعطيل إشارة مرور، أو التسبب فى إيذاء المارة كالتبول فى الطرق العامة، أو إلقاء القمامة، أو تلويث الماء، فينبغى ألا يكون الإنسان سبباً فى إزعاج الناس فى طرقهم، بل عليه أن يميط الأذى عن الطريق كما قال صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الَّذِى يَتَخَلَّى فِى طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِى ظِلِّهِمْ» رواه مسلم.
وقال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «بَيْنَمَا رجل يمشى بطرِيق وجد غُصْن شوك فَأَخَّرَهُ فَشكر الله لَهُ فغفر الله لَه»، وَفِى رِوَايَة لمُسلم، قَالَ: «لقد رَأَيْت رجلاً يتقلَّبُ فِى الْجنَّة فِى شَجَرَة قطعهَا من ظَهْرِ الطَّرِيق كَانَت تُؤذى الْمُسلمين».
ومن الآداب أيضاً ردُّ السلام، حيث إن إفشاء السلام فيه إشاعة ونشر لثقافة السلام بين المجتمع وأفراده، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ﴾ [النساء: 86].
ومن آداب الطريق أن يكون الإنسان حسن الكلام، لا يقول إلا خيراً، فينصح المارة والجالسين فى الطرق إذا وجد أن الأمر يحتاج إلى نصح وتوجيه وإرشاد، فإذا ما وجد إنساناً يتلفظ بألفاظ خادشة للحياء، أو يتلفظ بكلمات سُوقية فعليه أن يوجهه إلى خطأ هذا التصرف، أو أن يجد إنساناً يعتدى على إنسان بالضرب أو الشتم أو التنمر، فينبغى نصحه باللين واللطف وتوجيه مثل هؤلاء إلى أن يقولوا للنَّاس حُسناً، فذلك من علامات، وأمارات الإيمان بالله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه البخارى ومسلم.