جرمين عامر تكتب: المؤثرون الخضر
جرمين عامر
قصص وشخابيط، المعلومات والمصطلحات الجديدة نوعاً ما على الأذن، مونولوج يداعب غريزة الخلود بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، الترغيب فى العيش والاستمتاع بالحياة بصحة جيدة لأطول وقت، والترهيب من نفاد مخزون الموارد اللازمة لحياة مليارات البشر على الكوكب.
نفذ إلينا من عالم السوشيال ميديا جموع من المؤثرين الخضر، نوع من الملهمين قرّروا أن تكون القضايا الإنسانية واستدامة الحياة على الأرض محور بلوجاتهم، داعين الملايين من متابعيهم لاعتناق الفكر الأخضر وتغيير نمط حياتهم باستراتيجية إعلامية ترتكز على العدالة الاجتماعية وحماية الأرض والرخاء الاقتصادى، وتقنية «الحكى المتجدّد» وقياس الأثر، يعملون دون ملل على ربط المعتقدات بالممارسات الحقيقية للإنسان، يغرسون القيم والمبادئ الخضراء والبرامج الصديقة للبيئة.
بدأوا بأمريكا وأوروبا منذ أكثر من 10 سنوات، واستهدَفوا بذكاء الشباب، وبالتحديد فئة الألفية وجيل Z، ومعهم مشاهير المجتمع الغربى، وصلوا إلى نسبة 78% من التأثير المجتمعى، وفقاً لدراسة جامعة Erfurt الألمانية من جاك هاريس الأمريكى الجنسية، صاحب أكثر من 3.6 مليون متابع على قناته Earthrise، التى تبث أفلاماً عن الكوارث المناخية والهجرة والصحة العقلية والنفسية إلى ليام كاربنتر ألمانى الجنسية، وصاحب 2.3 مليون متابع على «تيك توك»، لتميّزه بعرض حلول مبتكرة لعلاج المخلفات، حتى لا تضر بصحة الإنسان، ولوران باش الأمريكية، صاحبة المحتوى المتنوع بين التغيّرات المناخية والحلول الملهمة.
وبين الدعوات المجتمعية لإعادة التدوير والإصلاح، وبى جونسون فرنسية الأصل وصاحبة كتاب «صفر مخلفات منزلية»، الذى يتضمّن توعية مئات الأسر لتقليل الاستهلاك والاستفادة من المخلفات وإعادة التدوير، حتى وصلنا إلى «الأروبة» ولاء عبدالرحمن، بأكثر من مليون متابع على «فيس بوك» و366 ألف متابع على الإنستجرام، بدأت رحلتها كمؤثرة بأسلوب بسيط معتمد على الحكى ونشر ثقافة الوعى المجتمعى حول فن إدارة البيوت.
لعبت فى منطقة انحصر عنها الضوء الإعلامى لفترة، فبعد غياب البرنامج الإذاعى الشهير «إلى ربات البيوت» استغلت «ولاء» القضايا المعاصرة، مثل عمل المرأة والعلاقات الأسرية ومصروف البيت لتنفذ إلى فنون الاستدامة وتنشرها بثقافة بسيطة تصل إلى ملايين المتابعين، فكانت سلسلة بلوجات «الأروبة» عن ترشيد استهلاك الطعام والمواصلات والطاقة ودعوات لتقليل نفقات الزواح، وقدّمت نصائح وحلولاً لإعادة تدوير المخلفات المنزلية والاستعانة برياضة المشى أو ركوب المواصلات العامة بدلاً من استهلاك البنزين وتلوث البيئة إلى آخره من موضوعات تهم الأسرة.
تظهر «ولاء» بالأزياء المعتادة لسيدات الطبقة المتوسطة، فتؤكد على الإستيروتيب لربات البيوت، وكذلك ديكور حجرة المعيشة والألوان والكنبة التى تجلس عليها والتحدث مع متابعيها، بمفردات بسيطة، مما يضمن وصول المعلومة دون تكلّف، بالإضافة إلى طريقة شغلها بالخيط والإبرة «الكروشيه»، الذى يعكس إحدى طرق إعادة التدوير المنزلية المعتادة، فتعكس بذكاء عنوان بلوجات «الأروبة».
استخدمت «الأروبة» تقنية تصوير داخلى وخارجى اتسمت بالبساطة دون مبالغة لتُعبّر عن طبيعة الحياة اليومية للطبقة المتوسطة، التى تسعى وتجتهد من أجل تعليم أبنائها والحفاظ على المستوى الاجتماعى، فضلاً عن قدرتها على التواصل الذهنى والتأثير على المتابعين وتحفيزهم على التعليق والشير واللايك.
وعلى النهج نفسه، يأتى «أوت أوف ذى بوكس بالعربى» صاحب الأكثر من مليون و300 ألف متابع على «فيس بوك»، ليقدم نموذجاً آخر من فنون المؤثرين الخضر، فأبطال «أوت أوف ذى بوكس بالعربى» يمثلون عائلة مصرية تعيش بأمريكا، تقدم نصائح عن طرق ترشيد الاستهلاك فى الطعام والطاقة والمياه، وبالتالى تقليل النفقات.
ولكن أهم ما يميز البلوجات هو التصدى لهوس شراء الأدوات والأجهزة المنزلية عند السيدات، عن طريق التجربة العملية وتقدّم النصائح والبدائل للاستغناء عن المواد البلاستيكية واستبدالها بالمنتجات الورقية أو قماش لتجنّب أضرارها.
أعطت السوشيال ميديا للمؤثرين الخضر فرصة ذهبية للانطلاق ونشر معتقداتهم الخضراء بميزة تنافسية عالية التأثير عن باقى الآليات الإعلامية من تليفزيون وإذاعة وصحف ومجلات، ألا وهى التواصل المباشر مع ملايين البشر، والتوعية بقضايا الاستدامة وسوء استغلال الموارد البيئية والممارسات البشرية الخاطئة التى تُسبّب اختلال التوازن البيئى، فانطلقوا ببث برامج وقيم وممارسات لإكساب الأفراد والجماعات فنون الاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية والاستهلاك الرشيد، مما يوفر حياة أفضل للجيل الحالى والأجيال القادمة.
وعلى صعيد موازٍ كان لانتشار المؤثرين الخضر وتطورهم السريع، وإبداعاتهم الابتكارية فى المحتوى، وكذلك تأثيرهم الكبير على ملايين المتابعين، الفضل فى تحفيز عدد من الشركات والعلامات التجارية الكبرى لإنتاج منتجات صديقة للبيئة.
ليبدأ فصل جديد فى حياة المؤثرين الخضر، فصل معنى بتقنيات الترويج للمنتجات الصديقة للبيئة، مما أدى إلى زيادة الطلب السوقى عليها، وأغرى الكثير من العلامات التجارية لخوض تجربة إنتاج المنتجات الصديقة للبيئة، لتبدأ مرحلة المنافسة الخضراء مدعومة بآليات إعلامية ومحتوى متجدّد وسلسلة من الأنشطة السياسية والاجتماعية والبيئية والبرامج المناصرة للبيئة والمناخ.
* عضو اتحاد الإعلاميين العرب