احتفل العرب والعالم منذ أيام باليوم العالمى للغة العربية، وهو اليوم الذى اختارته المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) يوماً للغة العربية، والذى يصادف ذكرى موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على اعتبار اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية للمنظمة الدولية. وبالرغم من اعتزازنا باحتفال العالم بلغتنا الجميلة، ثمة شعور بالأسى للحال الذى تردَّت إليه لغتنا العربية لدى الأجيال الجديدة من الفتيات العربيات والشباب العرب. ومن المؤسف أن تنتشر ظاهرة الجهل بقواعد اللغة العربية من طلاب الدرجة الجامعية الأولى إلى طلاب الماجستير والدكتوراه. وتزخر معظم رسائل الماجستير والدكتوراه بأخطاء لغوية فادحة لا تقتصر على بعض القواعد النحوية النادرة أو «المعقدة» بعض الشىء، والتى تتباين فيها حالات الإعراب، مثل حالات المستثنى بإلا أو الاسم الواقع بعد لا سيما أو تمييز العدد، بل تتكرر عدة مرات فى أبسط قواعد النحو مثل المبتدأ والخبر، والأسماء بعد حروف الجر، والفاعل والمفعول، واسم كان وخبر إن، والمضاف إليه. يضاف إلى ما سبق كم هائل من الأخطاء الإملائية، لا سيما فى كتابة الهمزات على الألف والواو والياء، إلى جانب أخطاء الصياغة. وعادة ما أذكِّر الباحثين فى العلوم الاجتماعية، ومنهم الباحثون المتخصصون فى علم السياسة، بأن عليهم أن يكونوا قادرين على الكتابة بلغة عربية سليمة، نحواً وإملاء وصياغة، إن كانوا يطمحون لأن يكونوا باحثين متميزين فى تخصصهم. وإن كانت تلك الظاهرة واضحة جلية بين نخبة الطلاب المتفوقين الطامحين للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه، فما هو حال نظرائهم من غير المتميزين؟ وأعتقد أن على جميع الغيورين على لغتنا العربية الجميلة، من جميع التخصصات وليس من المتخصصين فى اللغة العربية فحسب، البحث عن العوامل التى أدت إلى هذا التردى المتزايد فى مستوى اللغة العربية لدى الأجيال الجديدة، واقتراح سبل القضاء على تلك الظاهرة. ومن المؤكد أن ثمة خللاً جسيماً فى تدريس مقررات اللغة العربية ولا سيما فى المراحل الأولى من التعليم. ومن ثم، يجب إعادة النظر فى محتوى مقررات اللغة العربية وفى أساليب تدريسها فى مرحلة التعليم الأساسى وفى المرحلة الثانوية. وينبغى التركيز على إعداد الطالب كى يكون قادراً على الحديث وعلى الكتابة بلغة عربية سليمة، وليس على حفظ عدد من النصوص ومن قواعد النحو التى يكون مصيرها النسيان بُعيد انتهاء الدراسة. وما زلت لا أدرى الحكمة وراء دراسة الشعر الجاهلى فى المرحلة الثانوية، والسبب فى اختيار نصوص من الشعر الجاهلى تحوى ألفاظاً لم يعد أحد يستخدمها. وما زلت أذكر أن أول قصيدة فى الصف الأول الثانوى كانت للشاعر الجاهلى الأعشى وكان مطلعها:
وجند كسرى غداة الحِنْو صَبَّحهم ... منّا غطاريف تُزجِى الموتَ فانْصرفوا
لَقُوا مُلَمْلَمة شَهْبَاء يقدمها ... للموت لا عاجزٌ فيها ولا خَرِف
ودرسنا أيضاً فى العام نفسه أبياتاً من معلقة امرئ القيس كان منها:
وليلٍ كمَوجِ البحر أرخى سدولَه ... علىّ بأنواع الهموم ليبتلى
فقلت له لمّا تمطّى بصُلبه ... وأردف أعجازًا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويلُ ألا انجلي بصبح ... وما الإصباحُ منك بأمثلِ
وقد أغتدى والطير فى وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معاً ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل
وبالرغم من فصاحة كل من امرئ القيس والأعشى وغيرهما من فطاحل الشعراء فى العصر الجاهلى، لا يستخدم أحد فى الوقت الراهن ألفاظاً مثل: ململمة وغطاريف وكلكل ووكناتها ومنجرد وجلمود. ومن ثم، يشعر معظم الطلاب بالغربة مع اللغة العربية، ويحفظون تلك الأبيات على كره منهم، ويُقبلون على نسيانها فور انتهاء امتحان مقرر اللغة العربية. ومن ناحية أخرى، لم أقتنع أبداً بجدوى وجود كتاب لموضوعات القراءة المتعددة، يتم سؤال الطلاب عما ورد فى الموضوعات من معلومات. ومن ناحية ثالثة، أعتقد أن الفائدة المرجوة من كتاب القراءة ذى الموضوع الواحد، أو القصة، تكمن فى إثراء الحصيلة اللغوية للطلاب، وليس سؤالهم عن أحداث الرواية، لأن ذلك يدفع الطلاب إلى التركيز على الأحداث وليس على جمال اللغة والأسلوب فى كتابات رائعة مثل «عبقرية عمر» لعباس محمود العقاد، و«الشيخان» لطه حسين، «وأبوالفوارس» لمحمد فريد أبوحديد، و«وا إسلاماه» لعلى أحمد باكثير. ومن ناحية رابعة، لا تزال مقررات البلاغة تتحدث عن الطباق والجناس وغيرهما، ويُجبَر الطلاب على حفظ ذلك مكرهين خلال فترة الدراسة فقط. آمل أن تجد تلك الملاحظات والمقترحات صدى لدى المسئولين عن صياغة أساليب تدريس ومحتويات مقررات اللغة العربية للتلاميذ، لا سيما فى مرحلة التعليم الأساسى. وأكاد أقطع بأن معظم الغيورين على لغتنا العربية الجميلة يشاركوننى الرأى نفسه، ويتمنون أن يكون جميع المصريين والمصريات قادرين على الحديث والكتابة، نحواً وإملاء وصياغة، بلغة عربية جميلة سليمة.