حكومةٌ جديدة! حسناً، إذن ثمة أملٌ جديد، دستورٌ جديد يردّ الاعتبارَ «بالكلام» للمُعوّق. حسناً، فى انتظار أن يتحوّل الكلامُ إلى فعل.
ثورةٌ تلوَ ثورةٍ قامتا ضد الفساد والمحسوبية والعنصرية والبلاهة. حسناً، فى انتظار الثورة الحقيقية التى تحارب الجهل والتخلّف وسوء معاملة الطفل والمسنّ والمرأة والحيوان، وذلك العظيم الذى تسمونه أنتم «معوّقاً» أو «ذا احتياجات خاصة»، وأسميه أنا فى معجمى «استثنائىّ فريد». ذاك أنه بقدراتٍ أقلّ من قدراتك وقدراتى، يقدّم لك ولى وللمجتمع ما يفوق ما تقدمه فخامتك وفخامتى ونحن بكامل هيئتنا من ساقين طويلتين تركضان، وذراعين غليظتين تبطشان، وأذنين تتلصصان على الغير، ولسان طويل لاذع يجرح، وعين «مفنجلة» تتغمّز وتتلمّز. فإن كنتَ تُسمى النبىّ «موسى»، «طه حسين»، «بتهوفن»، «أبا العلاء المعرى»، الإمام «الزمخشرى»، «الترمذى»، لويس برايل، «هيلين كيلر»، «بشّار بن برد»، «إديسون»، «أينشتين»، «جون ناش»، «فرناندو ماجلان»، «ابن سيرين»، «أوجست رينوار»، «أولكا سكوروكودوفا»، وغيرهم الكثير، إن كنت تسمى أولئك «معوّقين»، فاسمحْ لى أُبشّرك بأن جنابك أنت مَن يعانى من إعاقة الفكر وسوء الأدب، لأن أولئك العظام «المعوقين» قدموا للعالم ما لم تقدمه أنت وقبيلتُك وقبيلتى معها. وإن قلتَ لى إنك تعرف معوّقاً لم يصبح مثل أولئك، سأخبرك بأن حضرتك وحضرتى وحضرة المجتمع البائس الذى نعيش فيه نحن المسئولون عن ذلك. ذاك أننا لم نكتفِ بما لديه من نقص، إنما جئنا بمقص بارد وقصصنا بقلب بارد ما لديه من مهارات استثنائية حتى غدا عبئاً على المجتمع، ليسخر منه التافهون بدلا من أن نفيد من طاقاته الفريدة ونستثمرها لكى نتحول من مجتمع مترهل كسول جاهل إلى مجتمع نشط متحضر فاعل.
«إبرام تواضروس» أحد الاستثنائيين الجالسين على مقعد متحرك، كتب مقالا بعنوان «لستُ معوّقاً، بل أعيش فى مجتمع يعوّق». وسأسمح لنفسى بأن أغير شطر العنوان الأخير ليغدو «بل أعيشُ فى مجتمع معوَّق معوِّق». تحدث إبرام عن صعوبة وصول المعوق للمسئولين لعدم وجود منحدرات ومصاعد للمعوقين، فإن جاهدوا وكافحوا وصعدوا منعهم زبانيةُ الوزير المسئول من الدخول! تحدث عن عدم وجود مواصلات مناسبة لهم، رغم إدخال «واى فاى» فى الباصات، مقلّدين الغرب بعماء. وقد نسينا أن الغرب لم يحقق الرفاهية للراكب إلا بعدما ضمن حق المعوَّق فى الركوب ليستمتع بالرفاهية مع شقيقه السليم. فنّد إبرام مشاكل المعوق المصرى مع: التعليم، المواصلات، الصحة، ثم الوظائف. وأنبأنا بأن المؤسسة التى لا تلتزم بتوظيف نسبة ٥٪ من موظفيها من ذوى الاحتياجات الخاصة تدفع غرامة هائلة ضخمة مخيفة مرعبة قدرها «مائة جنيه مصرى فقط لا غير»، ياللهول! لهذا لم يعمل إبرام حتى الآن رغم إنهاء دراسته قبل سبع سنوات.
هناك أكثر من عشرة ملايين «إبرام» فى مصر، فكم أينشتين وبتهوفن والمعرى وإديسون ورينوار كان يمكن أن يخرجوا من بينهم لو لم نعوّقهم بتخلفنا وجهلنا وسوء أدبنا؟ كم عالماً وموسيقياً ورساماً ورحّالة ومستكشفاً وفقيهاً وشاعراً وأديباً كانوا يعيشون بيننا قبل أن يقتلهم مجتمع معوّق جهول؟ أشكر الله أن أينشتين عاش بين ألمانيا وأمريكا، لو عاش فى مصر الحزينة بنا لقتله الجهل والعنصرية والبلاهةُ وسوء الأدب.