مصر اليونانية الرومانية: «الموسيون» جامعة «الثغر» القديمة.. هنا تعلم علماء الإغريق
رسم كروكى لجامعة الإسكندرية القديمة
«عمل بطليموس على تحويل الإسكندرية إلى عاصمة جديدة للحضارة الإغريقية بدلاً من أثينا فبدأ بتشييد الموسيون (دار ربات الحكمة) كما كان يطلق عليها قديماً أو جامعة الإسكندرية، ومكتبتها بعامى 280 و288 قبل الميلاد، وحرص على دعوة الكثيرين من علماء الإغريق وأدبائهم وفلاسفتهم وفنانيهم»، هكذا بدأ الدكتور أحمد غانم، رئيس قسم الآثار والدراسات اليونانية والرومانية بكلية الآداب، حديثه لـ«الوطن» عن تاريخ جامعة الإسكندرية القديمة.
رئيس قسم الآثار اليونانية: رفضت قبول المصريين.. وتشبه نظام مدارس الفلسفة بأثينا.. وفقدت مكانتها بعد ظهور حلقات علمية بالشام وروما.. وحفيد أرسطو من أبرز علمائها
وحكى «غانم» عن الاهتمام الملاحظ لملوك البطالمة بالثقافة والعلوم والعلماء فى مدينة الإسكندرية وهو ما ظهر من خلال عنايتهم بالموسيون أو الجامعة والمكتبة، حيث ازدهرت فى المدينة الكثير من العلوم منها الدراسات الجغرافية والتاريخية، ودراسات علوم الفلك، ودراسات العلوم الهندسية، والعلوم الطبية، والدراسات اللغوية والأدبية والدراسات الفلسفية.
وأوضح أنه فى نحو عام 570 قبل الميلاد، سمح الملك أماسيس للجالية اليونانية الموجودة بمصر بالتوطن فى أرض كبيرة بالدلتا وتقع تحديداً غرب فرع رشيد، وقبالة مدينة سايس، وسمح لهم بإقامة مدينة إغريقية وهى المدينة المعروفة باسم «نقراطيس» وتأثرت بهذه المدينة مدينة «سايس» التى كان أهلها كثيرى الاختلاط بأهل نقراطيس حيث تعلموا منهم كثيراً من العادات اليونانية بما فيها العادات اللغوية، ما دفع بطليموس إلى الاستعانة بكافة علماء مدينة سايس للتدريس فى جامعة الإسكندرية القديمة.
وأشار إلى أن نظام التعليم بجامعة الإسكندرية القديمة، يشابه نظام مدارس الفلسفة فى أثينا، واشترط قبول اليونانيين فقط وليس المصريين، وكان ذلك بغرض الاحتفاظ للمدينة والجامعة بنقائها اليونانى، مؤكداً أن هذا الأمر يؤكد العنصرية الدائمة والمعروفة عن الملوك البطالمة الذين ميزوا بنى جنسهم من اليونانيين بكثير من الامتيازات على حساب المصريين أهل البلد الأصليين.
وأكد «غانم» أن الجامعة القديمة بدأت تفقد مكانتها العلمية بعد ظهور حلقات علمية دراسية ذات طابع أدبى وثقافى وتركزت فى جزيرة رودس، وفى الشام ومدن أخرى كانت تابعة لسلطة الإمبراطورية الرومانية، حيث قام الإمبراطور أغسطس بعد احتلال مصر عام 30 قبل الميلاد، بنقل أساتذة جامعة الإسكندرية القديمة إلى أكاديمية روما.
ولفت إلى أن جزءاً كبيراً ومهماً من مكتبة الإسكندرية احترق عام 47 قبل الميلاد، حينما حاصر يوليوس قيصر المدينة، للانتقام، مشيراً إلى أنه بالرغم من طغيان شهرة الجامعة القديمة، إلا أن غالبية الدارسين كانوا من اليونانيين، ما حرم الشعب المصرى من الإفادة بها وبإمكانياتها، مؤكداً أن بطليموس حرص على نقل الأساتذة من المعابد إلى الإسكندرية.
وقال رئيس قسم الآثار والدراسات اليونانية، إن إيراتوسثنيس القورينى، أشهر علماء القرن الثالث قبل الميلاد، عمل أميناً لمكتبة الإسكندرية، فى عهد بطليموس الثالث وكان يطلق عليه لقب (آى بيتا)، واعتقد البعض وقتها أنه لقب تهكمى يشير إلى نجاحه المفترض فى مجالات عديدة دون الوصول إلى الذروة فى أى منها، لكنه كان ملماً بكل ما يخص علم الجغرافيا.
وذكر «غانم» أن «القورينى» كانت له مواقف إنسانية وفكرية نبيلة ومنها رفضه لتقسيم البشر عنصرياً إلى نوعين إغريقى وغير إغريقى (بربرى)، مؤكداً ضياع مؤلفاته، إلا أن خلفاءه وفى مقدمتهم سترابون وبطليموس الجغرافى، استوعبوا تلك المؤلفات فى كتاباتهم وأدخلوا عليها بعض التعديلات والتعليقات، مؤكداً أن قياس محيط الأرض هو الإنجاز الأشهر والمنسوب له.
وتابع أنه فى القرن الثانى الميلادى ظهر بطليموس الجغرافى، الذى اشتهر باسم بطليموس السكندرى وكان من أعلام مدرسة الإسكندرية، وسار على نهج «إيراتوسثنيس» فى الربط بين الجغرافيا والرياضية والفلك، وكان أكثر العلماء شهرة عند العرب، وتصدى لمشكلة أعجزت القدماء وهى دراسة الجغرافيا على أساس رياضى فلكى، ويعتبر كتابه «المجسطى» دستوراً للفلكيين والجغرافيين.
أما دراسات علوم الفلك، ارتبطت دائماً باسم «أريستارخوس من ساموس»، وكان ذلك فى النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، ومن أشهر أعماله «أحجام الشمس والقمر والمسافة بينهما وبين الأرض»، ثم آراتوس عالم فلك وكان شاعراً وارتبط بشعراء الإسكندرية، ومنهم كاليماخوس وثيوكريتوس، وتأتى قيمته من قصائده التى تتعرض لعلم الفلك وأشهرها قصيدة «فينومينا» التى يصف فيها الكواكب والأبراج فى نحو 730 بيت شعر. أما فى مجال دراسات العلوم الهندسية، فرأى بعض الكتاب أن العلم الرياضى اليونانى تأثر بالعلم الرياضى الشرقى، ونهل منه مادة صاغها العلماء الإغريق على نحو جديد، فيما يخص الميكانيكا القديمة فقد ارتبطت باسم أرشميدس السيراكوزى حيث زار الإسكندرية وقضى فترة الجامعة فيها وهناك اخترع «الطنبور» الذى شاع استخدامه فى مجال الزراعة، ووضع القاعدة العامة لنظرية «الروافع».
أما عن العلوم الطبية، فقال رئيس قسم الآثار، إنه فى الوقت الذى كانت جامعة الإسكندرية القديمة تخطو أولى خطواتها فى مجال الطب والصيدلة كانت المدارس الطبية فى المعابد المصرية تزاول مهمتها المقدسة فى تعليم المصريين كافة العلوم باللغة المصرية، مشيراً إلى أنه نظراً لمكانة الطب المصرى القديم قبل عصر الإسكندرية فقد أخذ اليونانيون الكثير من النظريات الطبية من القدماء المصريين منها نظرية تفسير أمراض النساء. وأضاف «غانم» أن الدراسات الحديثة أثبتت أن علم الطب بمصر الفرعونية كان من أكثر العلوم التى أثرت فى الطب اليونانى، ولمع عدد من علماء هذا المجال فى جامعة الإسكندرية، أمثال هيروفيلوس، طبيب يونانى، وهو حفيد أرسطو وانتقل إلى الإسكندرية وتعلم فيها الطب وأنشأ مدرسة طبية ذات طبيعة خاصة، ودارت أبحاثه حول المخ والأعصاب ومن أوائل الأطباء اليونانين الذين قاموا بتشريح الحيوانات وجثث البشر أمام الطلاب.