شهادة حازم منير.. أموال الخارج.. والأمن القومى
صورة أرشيفية
ملف تمويل العمل الأهلى أشبه بحقل ألغام لا تعرف أين تضع قدمك فيه، وهو قابل للانفجار فى كل خطوة، وجاهز لإصابة أى شخص، حتى لو كان بعيداً عن اللغم، ومن جوانب خطورته أنك لا تستطيع الاستغناء عنه؛ لأنه لا يخص العمل الحقوقى فقط، وإنما يتجاوزه إلى العمل التنموى، والخدمى، والخيرى، لكنك فى الوقت ذاته لا تستطيع تجاهل مخاطر الدور السياسى الذى يلعبه فى أحيان كثيرة. ومن دلالات ذلك، التقرير الذى أصدرته وزارة التضامن بدايات عام 2011 عن الترخيص بتلقى منح بلغ إجماليها نحو 300 مليون جنيه من خارج البلاد لصالح جمعيات سلفية ودينية خدمية وخيرية، وهى الفترة الزمنية التى شهدت نشاطاً سياسياً كبيراً لجماعات الإسلام السياسى بكل تنوعاتها ومدارسها، وفى مختلف أنحاء البلاد.
ورغم ذلك، فإن تطور العمل الأهلى جعل من التمويل مصدراً رئيسياً لنشاط الجمعيات والمنظمات، ولنا فى الحملات الإعلانية بشهر رمضان لجمع التبرعات وإنفاقها على أعمال الخير والبر خير نموذج فى أهمية عنصر التمويل للعمل الأهلى، كما أن المشروعات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والخدمية، تقتضى توافر التمويل اللازم للنشاط، ومن دونها لا يمكن تخيل عمل غير حكومى فى أى مجتمع.
المنظمات غير الحكومية أصبحت عنصراً مهماً فى دعم ومساندة الحكومة للمساهمة فى تحقيق مختلف الأشكال والمشروعات التنموية، وهى قادرة فى أغلب الأحيان على تحقيق ما لا تستطيع الحكومات بأدواتها على إنجازها، لذلك تتعامل الحكومات الرشيدة مع منظمات المجتمع المدنى بمختلف تشكيلاتها، باعتبارها قاطرة مساعدة فى عملية التنمية لا يمكن الاستغناء عنها. نحن لم نعهد المشاكل التى نعيشها الآن فى مسألة تمويل النشاط غير الحكومى إلا حين قرر البعض استخدام تمويل النشاط الشعبى لأغراض وأهداف سياسية، وتعمقت هذه المخاطر وتزايدت حين استخدمت بعض الدول معايير مزدوجة فى مواقفها لتحقيق مصالحها من خلال استخدام ملف التمويل. وللدلالة على بعض جوانب هذه المخاطر يشار إلى أنواع من الأنشطة تتجاوز بها بعض الجماعات الدور والمهام المنوط بها تنفيذها، فتتحول من منظمات أهلية إلى جماعات حزبية، وتستخدم التمويل الذى تتلقاه فى تنظيم فعاليات سياسية تجعل منها منافساً فى العمل الحزبى المحظور عليها وفقاً لكل القواعد والمعايير المستقرة، هى أمور لا تقتصر على بعض منظمات النشاط الحقوقى، إنما أيضاً امتدت إلى جمعيات تنشط فى مجال العمل الخدمى والخيرى، كما شاهدنا فى أنشطة «الإخوان»، أو فى تمويل الإرهاب عبر جمع التبرعات لبناء مساجد، أو من خلال أعمال ما أُطلق عليه أعمال الإغاثة، واستخدام المصطلحات والتوصيفات الإسلامية فى دعمها.
نحن إذاً أمام مسألة بالغة التعقيد، ولها آليات متعددة، ولم تعد تقتصر على الأساليب التقليدية، وإنما أصبحنا نعيش زمن التمويل العابر للمحيطات والقارات، والذى يترك آثاره الخطيرة على المجتمعات المتلقية للتمويل لصالح جهات التمويل، الأمر الذى يستلزم ضوابط وإجراءات قوية قادرة على تحقيق المعادلة المعقدة.. السماح بالتمويل فى ضوء ضوابط قانونية صارمة.. ملف التمويل شر لا بد منه، ولذلك فهو يتطلب قواعد قانونية مُلزمة تتيح تلقى التبرعات والمنح ولكن بموافقة الدولة، وتحت رقابتها بمختلف الأشكال. للأسف، قضية التمويل أصبحت جزءاً من ملف الأمن القومى.