إنَّ 30 يونيو 2012 يوم أسود يُضاف للأيام السوداء التي مرّت علينا مثله مثل العدوان الثلاثي 1956 ونكسة 1967 فذلك اليوم الذي اعتلى فيه سيّئ الذكر مرسي العياط عرش مصر، العرش الذي جلس عليه من قبل مينا موحد القطرين وأحمس ومحمد علي باشا والزعيم جمال عبد الناصر والشهيد البطل محمد أنور السادات.
مرّت المائة يوم الأولى من حكمه من فشل إلى فشل سعى بكل قوته إلى تقزيم دور مصر وإظهارها بدور التابع لدولة الخلافة، ثم أعلن عن نفسه في ذكرى انتصارات حرب أكتوبر أنه وجماعته الراعي الرسمي للإرهاب والحاضنة الأم لأعمالها بجمعه لكل القتلة والإرهابين أمثال عاصم عبد الماجد وعبود الزمر ومحمد عبد المقصود ووضعهم في الصفوف الأولى كرسالة إلى الجميع أنَّ هؤلاء هم أهله وعشيرته.
وبعد إصداره إعلانه الدستوري المُكبّل لمصر المُحصِّن لكل قراراته وتنامي حالة من القلق والخوف على البلاد لدى الجميع من مصير مظلم تشكلت ما يسمى «جبهة الإنقاذ الوطني» والتي كانت تضم كل القوى المدنية والسياسية ومن يطلقون على أنفسهم النخبة: محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي وآخرون في وقت الشارع المصري فيه حالة من الغليان والترقب، الجميع ينتظر منهم الكثير ويأمل أن تكون الذكرى الثانية لثورة يناير 2013 ثورة على حكم جماعة «الإخوان» وليتأكدوا من أن ما إذا كانت هذه الجبهة لديها القدرة على الحشد في مواجهة أكبر فصيل منظم في البلاد أم لا.
وفي ذكرى الثورة جاءت الآمال مخيّبة لسقف التطلعات في إزاحة «الإخوان» لأن الحشد كان ضعيفًا وثبت فشلهم في تحريك الشارع، لكن هذا الضعف أعطانا طاقة إيجابية وثبات وتحد وفي 28 أبريل 2013 أعلن مؤسسو حملة «تمرد» عن بدء حملة للتوقيع على وثيقة سحب الثقة من محمد مرسي عيسى العياط ومكتب إرشاده والدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ووعدنا شعب مصر بتجميع 15 مليون استمارة توقيع قبل الثلاثين من يونيو وهو نفس اليوم الذي دخل فيه مرسي إلى قصر الاتحادية، في بداية الأمر قوبلنا من البعض بالسخرية والاستخفاف ورفض البعض التوقيع بحجة أن مرسي رئيسًا شرعيًا ولحقوا بنا بعدما أيقنوا أن الشعب استقبلنا بكل ترحب وفتح لنا ذراعيه.
وأعلنت «تمرد» بعد أسبوع واحد عن جمع أكثر من 200 ألف توقيع على الاستمارة، وبدأت كرة الثلج تكبر والرأي العام ينتبه لما نفعله وخلال أيام معدودة بدأ سلاحنا البسيط (استمارة تمرد) يصبح طوق النجاة الذي تمسّك به شعب مصر المكلوم وازداد الغضب الشعبي ضد هذه الجماعة الفاشية والتي بدأت بمنتهى السرعة تكشر عن أنيابها ونواياها الحقيقية بالسيطرة على كل مفاصل الدولة وبدأت مشروع التمكين والأخونة.
وفى وقت وجيز أصبح أعضاء «تمرد» في كل مكان على الأرض وبشكل مذهل، دخلنا المقاهي المؤسسات الحكومية، والشوارع، ووصل بينا الحال إلى طرق الأبواب، وبدأت أصوات المصريين تتعالى مطالبة بتدخل الجيش، وسط اتساع الأزمات والعجز عن توفير أبسط احتياجاتنا من المواد البترولية والمواد الغذائية والطاقة اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء، فغرقت مصر في الظلام.
مع بدأ العد التنازلي لمظاهرات 30 يونيو والتفاف الشعب على الاستمارة أصبح المشهد السياسي واضحًا لا سبيل غير إسقاطهم ، فأطل علينا الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة طلته الأولى وكانت مفاجئة للجميع لأن جماعة «الإخوان» قد قدموه لنا على أنه عضو منهم ليمهل القوى السياسية المتصارعة أسبوعًا للتوصل إلى حل سياسي.
وقال حرفيًا يوم 23 يونيو، إن إرادة الشعب المصري فقط هي التي تحكمني، ويخطئ من يعتقد أنه يمكن الوقوف والتصدي أمام هذه الإرادة أو مجابهتها بالعنف ونحن مسؤولون مسؤولية كاملة عن حماية هذه الإرادة، واستمرت «تمرد» تجوب مدن مصر شمالها وجنوبها شرقها وغربها ويشهد الله على صعوبة ما واجهناه من تلك الجماعة الدموية وعلى إرهابها لنا طوال مدة الحملة لكننا كنا واهبين حياتنا للوطن غير عابئين بكل العراقيل التى صدرتها لنا الجماعة لوأد حملتنا وكانت الروح المعنوية مرتفعة والأمل في الله عظيم تحركنا قوة خفية رهيبة كأنها مدد من السماء.
وفي صباح التاسع والعشرين من يونيو 2013 كان آخر مؤتمر للحملة بنقابة الصحفيين حيث أعلن محمود بدر نيابة عن جميع أعضاء الحملة نجاحنا في تجميع 22 مليونًا و134 ألفًا و465 توقيعًا على استمارات «تمرد» وأعلنا أيضًا عن توقيت وأماكن خروج مسيرات الثلاثين من يوليو، وأخذ كل منا موقعه وفي صبيحة اليوم الموعود بدت شوارع القاهرة شبه خالية، لكن وفي الوقت المتفق عليه وهو الثالثة عصرًا، بدا طوفان جارف من البشر من كل حدب وصوب وبدأت تظهر ملامح أعظم ثورات مصر للجميع ووصفتنا المواقع العالمية بأنها الثورة غير المسبوقة، 33 مليونًا نزلوا يهتفون «يسقط يسقط حكم المرشد.. ارحل»، وحملنا اسثتمارات «تمرد» على سيارات ربع نقل وذهبنا بها من مقرنا بوسط القاهرة إلى قصر الاتحادية ومع الأسف كان مرسي قد ترك القصر لخوفه من بطش الملايين المحتشدة أمام القصر.
كان النصر عظيمًا لكن تبقى أمامنا موقف قواتنا المسلحة رمانة الميزان والقول الفصل وانتظرنا حتى عصر اليوم التالي، حيث أمهل الجيش جميع القوى السياسية 48 ساعة للاتفاق على مخرج من الأزمة التي تعصف بالبلاد، وشدد على أنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب فسيعلن خارطة للمستقبل وإجراءات يشرف على تنفيذها بمشاركة القوى السياسية.
وقبل انقضاء المهلة من الجيش، تم الإعلان عن خطاب لمحمد مرسي لكنه جاء مملًا مستفزًا يفتقر الكياسة والدبلوماسية أو ينم عن أنه يريد تغيير سياسته وأن يكون رئيسًا لكل المصريين.
وفي الساعة السادسة 3 يوليو ظهر لنا الفريق أول السيسي ومعه أعضاء المجلس العسكري وممثلو تمرد وشيخ الأزهر والبابا تواضرس، وأعلن استجابة الجيش لمطالب ملايين المصريين الذين احتشدوا مجددًا في ميادين البلاد لتنفجر براكين الفرحة في كل شوارع مصر.
ستظل 30 يونيو ذكرى خالدة مكتوبة في كتب التاريخ بحروف من نور هذه الثورة العظيمة التي أعادت مسار هذا الوطن إلى الطريق الصحيح، وأتمنى أن تخرج علينا السينما المصرية بأفلام كبرى تجسّد هذه الملحمة البطولية الفريدة التي ندُر أن تتكرر، من أجل أن تجد الأجيال القادمة وتتعلم وتفهم كيف خرجت مصر من هذا النفق المظلم وكيف خرج من بين صفوفنا رموز يقتدى بهم ويعلموا أن هذا الشعب عصي أمام أي مخطط لتغييب الهوية وطمس ملامح الشخصية المصرية الفريدة.