هستيريا إعلانية أعلنت عن نفسها من أول لحظة فى دراما رمضان، وأعلنت معها الإيذاء للصناعة وإهدار حق ووقت المشاهد والاستهانة به والإهانة للعمل الدرامى، حجم الإعلانات هذا العام تعذيب ودمار، وأولى نتائجه هروب المشاهد إلى قنوات عربية ومنصات إلكترونية وإنترنت، وبالتالى أصبحت القنوات المصرية فى موقف غاية فى الصعوبة، من حيث المشاهدة، فأسعار الإعلانات انخفضت وبالتالى زاد حجمها، وأصبحت المدة الزمنية الإعلانية تضرب رقماً قياسياً مزعجاً للغاية، فقد أصبحت تقريباً ضعف المدة الزمنية للمسلسل، الذى أصبح نصف ساعة فقط، والباقى إعلانات مع سبق الإصرار والاستمرار، وإذا كانت القنوات ستحقق أهدافها من العائد الإعلانى الذى سيساعدها على الاستمرار فى ظل ظروف الصناعة الصعبة إلا أنها ستخرج بنسب مشاهدة متراجعة فيما يخص شهر رمضان على الأقل، المشاهد لم يبتل فقط بهذه الهستيريا الإعلانية وإنما بوضع تصنيفات عمرية للمسلسلات، تحددها رقابة المصنفات لأول مرة، وهذا أمر يمكن تفهمه ويمكن أن يكون مطلوباً فى ظل عملية تنطيم سوق عشوائية، وهذا يحدث فى العالم كله، ويعتبر من حقوق المشاهد، خاصة أن الاتجاه فى الخارج ليس للحذف أو للمنع ولكن للتقنين، وللأسف كأغلب ما يحدث لدينا تم تنفيذ هذا القرار بطريقة متعجلة لا تخلو من العشوائية والقصور، فالرقابة لم يكن لها أى دور من قبل، لأن الأعمال الدرامية كانت تعرض فى تليفزيون الدولة الذى يمتلك جهازاً رقابياً شديد التحفظ، ولكن الخريطة اختلفت وأصبح تليفزيون الدولة ماضياً وتاريخاً، وفى عام 2014 وأثناء تولى د. جابر عصفور وزارة الثقافة أصدر قراراً بأن تخضع الأعمال الدرامية للرقابة على المصنفات الفنية ولم يتم تفعيل هذا القرار، وأرسلته الرقابة العام الماضى للمنطقة الإعلامية الحرة كنوع من إبراء الذمة وتسجيل الموقف بدون إرادة حقيقية لتفعيله، وتاه فى دهاليز الجهاز الإدارى للمنطقة الحرة، ومع زيادة موجة الجدل حول نوع المحتوى الدرامى وتأثيره على المجتمع وارتفاع أصوات ترى أن نسبة لا يستهان بها من الأعمال تسىء للمجتمع، وتقدم إما شخصيات شاذة أو مشوهة، وأحياناً تأتى الأعمال الدرامية متخمة بمشاهد غير لائقة، وتتضمن حجماً كبيراً من العنف والشتائم الصريحة والألفاظ الخارجة، ولكن الرقابة أرسلت قرارها متأخراً، كعادة المصريين، فكل شىء يتم فى الوقت بدل الضائع، وبالتالى كان من المستحيل تطبيقه بدقة وعدل ووعى، فأغلب الأعمال يتم تصويرها أولاً بأول، وبعضها سيستمر حتى الأيام الأخيرة من رمضان، وبالتالى فالمادة غير موجودة، والرقابة لا تملك عدداً كبيراً يمكنها من الوجود لدى كل شركة إنتاج وكل قناة لمشاهدة الحلقات الواردة يومياً، وأحد أشكال القصور التصنيف العمرى للمسلسلات فقد تم أيضاً على عجل، ولم تكن هناك حلقات كافية للحكم على الأعمال، فجاءت التصنيفات غريبة وعشوائية، وإذا كنا نفهم فوق ١٨ وفوق ١٢ وصالح للعرض العام، فكيف نفهم فوق ١٣وفوق ١٥، فهى تصنيفات غير واضحة المعالم، وكيف نحكم على العمل من حلقتين، بالإضافة إلى أن من يقوم بهذه المهمة فى جميع أنحاء العالم ليس موظفاً لديه خبرة رقابية، وإنما شخصيات لها أبعاد اجتماعية ولجان تضم متخصصين فى علم الاجتماع والإعلام، والمؤكد أن التصنيف أحد أشكال الانضباط، بشرط ألا يكون باباً مفتوحاً للمنع أو للحذف أو للقيود، إذا كانت هناك إرادة حقيقية لتطبيقه فلا بد أن نبدأ بعد انتهاء شهر رمضان مباشرة، وتكون هناك مدة زمنية يعلمها أصحاب الصناعة، لا يصرح بعدها بعرض أى مسلسل دون اكتماله، ولو حدث ذلك فسيكون أحد عناصر ضبط هذه الصناعة، فالتعاقد على الأعمال وإنتاجها وتسويقها سيتم قبل رمضان بمدة كافية، وستختفى فكرة هستيريا تصوير المسلسلات على الهواء بما فيها من خطورة على الجميع، الأهم أن هذا الموضوع يتعلق بحرية الإبداع من ناحية، وبضبط العمل الإعلامى من ناحية أخرى، وهذا شىء لا بد أن يخضع لحوار مع جميع الأطراف المعنية ولا بد أن يكون حواراً موسعاً حول وجود قرار ملزم يحدد نسبة الإعلانات مقارنة بالمحتوى الدرامى والبرامجى بنفس الشروط التى لا تؤذى الصناعة ولا تهدر وقت المشاهد، ولا بد أن تخضع الإعلانات نفسها للرقابة مثل الأعمال الدرامية، فبعض الإعلانات يتضمن رسائل شديدة الإيذاء، وهذه أشياء لا يقوم بها موظف وإنما لا بد أن تكون من خلال لجان معتبرة ومتخصصة فى علم الاجتماع ونقاد وصناع إعلام ومثقفين، ولا بد من فتح المجال ليصبح العام كله مواسم لمشاهدة الدراما بدلاً من اعتقال المشاهد أمام الشاشة فى رمضان، لما له من آثار سلبية على العمل والحياة، وبدلاً من هستيريا تكسير العظام بين هذا الكم الهائل من المسلسلات، وهذا سيقوى الصناعة، أما ما نحن فيه الآن من هستيريا إعلانات وهستيريا المنافسة وأسعار النجوم.. فالجميع خاسر.