أطعمة تساعد على التخلص من رائحة الثوم في الفم
صورة أرشيفية
يدرك العديد من محبي تناول "خبز الثوم"، وهو خبز مشبع بقليل من الزيت والخضروات والثوم، أن الثوم يتمتع بقدرة مذهلة على ترك آثاره في الفم لساعات طويلة، ولذا يشعر هؤلاء بالضيق بسبب الرائحة.
ونشر موقع "بي بي سي"، أنه بعد تناول هذا الطعام بنحو 24 ساعة، تظل رائحته النفاذة عالقة في أنفاسنا، وحتى في العرق الذي تفرزه أجسادنا. وفي الواقع، ليس من الضروري أن يتناول أحدنا الثوم عن طريق الفم مباشرة حتى يدرك مدى قوة هذه الرائحة، حتى في أنفاسه.
وفي العام 1936، ذكر أطباء في دورية "الجمعية الطبية الأمريكية" أنهم أعطوا أحد المرضى حساء الثوم من خلال أنبوب للتغذية، وليس عن طريق الفم، فكانت النتيجة أن لاحظ الأطباء رائحة الثوم واضحة في أنفاسه بعد ذلك بساعات قليلة.
وكتب طبيبٌ آخر بشأن تجربته التي خَبُر فيها شيئا مشابها، فقال إنه بعد أن أجرى عملية ولادة لأم، "كانت رائحة الثوم الكريهة تخرج مع أنفاسها".
وتابع الطبيب أنه بمجرد انتهاء عملية الولادة، "كنت مندهشا أيضا بعد أن لاحظتُ أن الطفل المولود لديه رائحة ثوم قوية في نَفَسه". وأضاف: "وفي مناسبة ما، عندما ذكرتُ ذلك لأشخاص آخرين، كانوا يظنون أنني أمزح معهم".
والسبب في أن رائحة الثوم في النفس يمكن أن تظهر لدى أشخاص لم يتناولوه عن طريق الفم مباشرة، مثل حالة ذلك المولود، وكذلك المرضى الذين يُطعَمون من خلال أنبوب للتغذية، يرجع إلى أن الثوم مليء بمركبات الكبريت، التي تنطلق في مجرى الدم بعد أن تُهضم في المعدة. ومع اختلاطها بالدم، تتسرب إلى الرئتين، ثم تصل بعد ذلك إلى الحلق، وتخرج من الفم.
ولن يخلصك من تلك الرائحة غسيل أسنانك بالفرشاة، ولو كررت ذلك عدة مرات، لأن الرائحة تنبعث في الأساس من العملية الكيميائية التي تحدث داخل جسدك، وليس من مجرد بقايا طعام عالقة بين أسنانك. لذا، فإن محاربة الكيمياء بالكيمياء تمثل نهجا أفضل، يمكن أن يُجدي نفعا في هذه الحالة.
ومنذ عدة سنوات مضت، كانت شيرايل بارينجر، الأستاذة بجامعة ولاية أوهايو الأمريكية، تدرس مدى تأثير الجزيئات الموجودة في الطعام على النكهة التي يتميز بها. وسألتها طالبة عن إمكانية إجراء دراسة بشأن تأثير الثوم على رائحة الفم عند التنفس.
وتناولت بعض الدراسات الأطعمة التي قد تساعد في القضاء على رائحة الثوم الكريهة إذا أُكلت معه. وشملت تلك الأطعمة، "الخسّ، نبات الهِنْدِباء البرية، الكرفس، البطاطس، البقدونس، أوراق النعناع، النعناع الفُلفلي، الريحان، والفطر".
لكن لم تكن هناك معلومات كافية بشأن السبب وراء ذلك. ومنذ ذلك الحين، بدأت بارينجر وطلابُها دراسة كيفية مساهمة بعض الأطعمة في التخلص من رائحة الثوم، والأثر الذي تحدثه هذه الأطعمة بالضبط.
وكانت أطعمة مثل الخسّ، والنعناع، والتفاح محل تركيزٍ كبيرٍ حتى الآن. وتقول بارينجر: "كان التفاح من الأطعمة التي اكتشفناها مصادفة"، في إطار هذا البحث.
إذ كان هناك طالب تناول الثوم ثم شرب بعده الماء، وذلك في إطار مشاركته في تلك التجارب. ثم لوحظ أن لديه مستويات قليلة جدا من تلك الجزيئات التي تعرف باسم "جزيئات الرائحة"، الموجودة في الفم.
وبالعودة إلى الأطعمة الأخرى التي تناولها هذا الطالب في ذلك اليوم، ذكر الطالب أنه تناول تفاحة قبل تناول الثوم بنحو ساعتين.
واندهش فريق البحث عندما حاول أعضاؤه أيضا مضغ شرائح من التفاح بعد تناول الثوم، فاكتشفوا أن مستويات "جزئيات الرائحة" في الفم تراجعت بشكلٍ ملحوظ.
وتناولت دراستهم الأخيرة، التي نُشرت في سبتمبر الماضي، القوة القاتلة للرائحة التي تنتج عن تفاعل كيميائي محتمل داخل جسم الإنسان بين 4 مركبات للكبريت، ومجموعة من الجزيئات الأخرى التي تعرف باسم "الفينولات"، التي يُعد مُركب الفينول أحد أبسط صورها.
ومضغ عددٌ من المتطوعين الثوم في التجربة، وتناولوا إلى جانبه مجموعةً متنوعةً من الأطعمة الأخرى، ثم أطلقوا زفيرهم أمام جهاز يعرف باسم جهاز التحليل الطيفي، والذي يمكنه تحديد كمية جزئيات الرائحة في أنفاسهم.
وسحق الباحثون الثوم مع بعض المكونات الأخرى مثل الماء، وذلك بإضافة إنزيم نقي آخر، أو بعض مركبات الفينول، بما في ذلك حمض يُعرف باسم "حمض الروزمارينك" الموجود في النعناع، ثم استخدموا جهاز التحليل الطيفي لتحديد جزئيات الرائحة في فم من تناولوا هذا الخليط.
وبعد تلك التجربة، توصل الباحثون بوضوح إلى أن التفاح الطازج، وأوراق الخس، والنعناع كانت من بين أفضل الأطعمة تأثيرا، مقارنة بأي أطعمةٍ أخرى تعرضت للتسخين.
ويشير ذلك أيضا إلى أن الإنزيمات التي تُساعد على تحفيز التفاعلات الكيميائية، والتي تتفكك عند التعرض لدرجة حرارة عالية، من المحتمل أن يكون لها دور في ذلك، وتقول بارينجر إن النعناع يقدم أكثر النتائج منطقية من بين كل الخيارات الأخرى.
ويحتوي النعناع على مستوياتٍ عاليةٍ جدا من مركبات الفينول. وبالنسبة لشخصٍ متخصص في الكيمياء، من السهل أن ينظر إلى حمض الروزمارينك، والمركبات الكبريتية للثوم، ليرى بوضوح كيف يحدث التفاعل بين ذلك الحمض وتلك المركبات لإنتاج جزيئات لا رائحة لها على الإطلاق في الفم.
ويتضمن التفاح على كمياتٍ أقل من مركبات الفينول، لكنه ما يزال يُطرح كعاملٍ مساعدٍ في هذا الإطار. كما أن الخسّ يحتوي على أقل نسبة من تلك المكونات التي اختبرناها، وتقل تلك النسبة أيضا حتى عن تلك الموجودة في الشاي الأخضر، والذي ليس له أي دور فعال في إزالة تلك الرائحة.
وتتابع بارينجر: "ولذلك، أقول إننا لا نفهم بشكلٍ كاملٍ ما يحدث من تفاعلات"، فالإنزيم النقي بمفرده لا يؤدي إلى أي نتيجةٍ للحد من معظم مركبات الكبريت الموجودة في الثوم، كما تذكر تلك الدراسة. لكن هذا المزيج من الإنزيمات، ومركبات الفينول، يُحتمل أن يكون وراء بعض الآثار الغامضة التي أحدثها نبات الخسّ في هذه التجربة.
ومن خلال استخدام هذه المكونات الكيميائية غير المفهومة بشكل تام، يُمكنك أن تحد من رائحة الثوم في أنفاسك، لكن حتى لا ننسى، ليس هناك قدرٌ من المكونات المزيلة للرائحة يمكن أن يغير حقيقة أن البشر ما يزالون "مصانع كيميائية متحركة".
والأشياء التي نخرجها في زفيرنا أو عرقنا يمكن أن تكشف، ليس فقط عما تناولناه من طعام في اليوم السابق، ولكن أيضا عن وجود بعض أنواع البكتريا التي تعيش في أفواهنا، وكذلك ما إذا كنا مصابين ببعض الأمراض أم لا.
وهناك علماء يحاولون في الوقت الحاضر استكشاف الطريقة التي يمكن من خلالها للجزيئات الموجودة في الزفير أن تُستخدم في تشخيص الإصابة ببعض الأمراض مثل سرطان الرئة.
كما يحاولون أيضا معرفة ما إذا كان استخدام بعض الأجهزة الإلكترونية، أو ما يُطلق عليها البعض اسم "الأنوف الإلكترونية"، لشم رائحة الدم، أو البول، أو عيناتٍ من أنسجة الجسم، يمكن أن يُظهر بعض الدلائل أو الإشارات على الإصابة ببعض الأمراض، مثل التهاب المبيض، أو الإصابة بتلف الدماغ.
وبينما يُعد حرص المرء على إظهار أقل قدرٍ ممكنٍ من رائحة الفم نوعا من التحلي بالذوق العام، فمن المهم أيضا أن نفكر في أنه ربما يكون هناك شيء ذو قيمة يمكن أن تخبئه هذه الرائحة.