الشّعور بالخوف لن يتبدّد حتماً مع استمرار سياسة الاستيطان، ووضع العراقيل أمام الوصول إلى الحل النهائى للصراع الحالى بعودة الحق الفلسطينى.
فى كتابه «فهم الطبيعة البشرية» وضع عالم النفس النمساوى «ألفرد إدلر» نظرية «عقدة التفوق»، التى صاغها باعتبارها سلوكاً يعتقد خلاله الشخص تفوقه على الآخرين، وغالباً يمارس قدراً من التفاخُر والتعالى على المحيطين به. ويوضح «إدلر» أن تلك العقدة فى حقيقتها تُعد آلية دفاع ضد الشعور بالنّقص وتدنى الذات. فرضية «إدلر» تنطبق بشكل كبير على المجتمع الإسرائيلى، فعُقدة التفوق لدى الإسرائيليين تكوّنت تحت شعارات ومفردات لاهوتية، مثل «شعب الله المختار»، و«أرض الميعاد»، وتتّسق مع الادعاءات بالتقدّم فى كل المجالات على دول الجوار، وتقديم «الكيان الاستيطانى»، باعتباره واحة الديمقراطية فى الشرق الأوسط.
وعلى الجانب الآخر يقبع فى الذاكرة اليهودية تاريخ طويل من الشّعور بالاضطهاد، وكثرة الروايات عن «الشتات»، وهى الموضوعات التى تتعمّد الآلة الإعلامية الصهيونية ترويجها باستمرار لاكتساب تعاطف العالم، وضمان تدفّق الدعم الغربى، وهذا أيضاً هو الذى يفاقم الشعور بالخوف الدائم وعدم الإحساس بالأمن والأمان.
عُقدة الخوف أحكمت حلقاتها على أفكار الكثير من الإسرائيليين، ممن يرون ضرورة أن تنفض دولتهم يدها تماماً من جيرانها العرب، ووضع استراتيجية لأن تصبح امتداداً للقارة الأوروبية، عبر توثيق العلاقات مع دولها لآفاق أوسع مما هى عليه الآن، فأوروبا هى الأقرب إلى إسرائيل ثقافياً واقتصادياً. هذا التوجه الانعزالى يُعبّر عن فشل للمشروع الصهيونى، يتناقض تماماً مع أفكار القادة الأوائل، وما أعلنوه فى 14 مايو 1948 عند إعلان دولتهم عن الحرص على مد أيديهم إلى كل الجيران (العرب) لضمان تحقيق «المصالح المشتركة»، وبعد ثلاثة أرباع القرن، وجد الإسرائيليون أن الملاذ الآمن (المحتمل)، هو الارتماء فى أحضان أوروبا، وهذا التوجُّه أيضاً أصبح من الصعوبة بمكان، بعد تصاعد أصوات الشعوب الأوروبية الرافضة للعدوان الهمجى على غزة، والضاغطة على الحكومات لرفض سياسة الاستيطان، والفصل العنصرى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، التى بسببها يظل عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط هو السائد على الدوام.
هذه النزعة الانفصالية عن الوسط المحيط بإسرائيل، مصدرها الأساسى هو الخوف واليأس من إمكانية توافر الأمن والعيش على الأرض بلا خوف.
وكل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة -من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار- عجزت عن توفير الأمان لشعبها، بسبب تعنّتها، ورفضها الوفاء بأى استحقاقات مطلوبة منها لتحقيق السلام مع جيرانها العرب.
وليس أدل على ذلك من أن المبادرة العربية التى أسفرت عنها قمة بيروت عام (2002)، والتى حظيت بموافقة (57) دولة عربية وإسلامية، وتأييد ودعم المنظمات الإقليمية والدولية، توفّر لإسرائيل الأمان اللازم بأكثر مما يمكن أن توفره لها أوروبا.
وللحديث بقية..