استعدى يا إسرائيل أنا جاية أضربك.. جهزى القبة الحديدية صواريخنا ومسيراتنا فى الطريق إليك.. هذا هو ملخص ما حدث فى الضربة الإيرانية لإسرائيل لحفظ ماء وجه كل الأطراف!
الاستراتيجيات العسكرية الثابتة أن الحرب خدعة، وعُنصر المفاجأة من أهم العناصر لتحقيق النصر فى الحروب والمعارك.. لكن ما حدث فى الضربة الإيرانية لإسرائيل، التى أطلقت عليها عملية «الوعد الحق» يدعو إلى الشك والريبة.. فقد جاء سيناريو الحرب مغايراً تماماً لكل الثوابت العسكرية الراسخة، وكأنها تمثيلية متّفق عليها لحفظ ماء وجه إيران وإرضاء كل الأطراف.
فعلى مدى أسبوعين، عقب قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية بدمشق، والتهديد والوعيد الإيرانى على أشده وفى الوقت نفسه تجرى الاتصالات السرية على قدم وساق بين أمريكا وإيران وإسرائيل وبعض الوسطاء لتجنيب المنطقة حرباً مدمّرة.. وتمخض الجبل فولد فأراً، وتم الاتفاق على السيناريو الذى شاهدناه على شاشات التليفزيون على الهواء مباشرة فى ليلة احتبست فيها أنفاس العالم وراقبت أمريكا تنفيذه بكل دقة.
فقد أشارت تقارير إعلامية غربية وإسرائيلية إلى أن المفاوضات التى جرت فى الأيام الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران لتحديد سقف الهجوم، بحيث لا يُوقع أضراراً كبيرة على الجانب الإسرائيلى تستدعى رداً يوسّع دائرة الصراع.
المثير فى الأمر أن إيران قبل أن تُطلق صواريخها وطائراتها المسيرة تجاه إسرائيل أبلغت العالم كله بموعد بدء إطلاق الطائرات المسيرة الانتحارية والصواريخ الباليستية المجنّحة رداً على جريمة إسرائيل بقصف القنصلية الإيرانية.. فعلت ذلك وكأنها تقول لإسرائيل استعدى دفعات الصواريخ ستصل أرضك خلال ٣ ساعات، وكأنها تنبّه الجيش الإسرائيلى وحلفاءه فى القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية بأن يستعدّوا بالقبة الحديدية وقوات الدفاع الجوى لإسقاط هذه المسيرات قبل دخولها الحدود الإسرائيلية فوق الأردن وسوريا، وما يخترق تتكفّل بإسقاطه القبة الحديدية الإسرائيلية.
وقد كان، فقد أعلن الجيش الإسرائيلى أنه فى انتظار وصول المسيرات إلى مدى الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية لإسقاطها وذهبت إلى أكثر من ذلك عندما أعلن أنه فى انتظار الطائرات المسيّرة الإيرانية المقدّر لها أن تصل فى الساعة الثانية صباحاً بتوقيت إسرائيل.
وبالفعل أسقطت دفاعات الجيوش الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية وشركائهم ٩٩٪ من جملة الصواريخ والمسيرات الإيرانية التى تم إطلاقها ولم ينفذ منها سوى ٣ صواريخ أحدثت تلفيات بقاعدة جوية إسرائيلية دون خسائر بشرية، باستثناء امرأة بدوية عربية أصيبت بشظايا صاروخ سقط بالقُرب منها فى أرض صحراوية.
فى رأيى أن الرسالة وصلت إلى الجميع فى ليلة احتباس الأنفاس.. إيران أقامت الأفراح، مؤكدة أنها نجحت فى الانتقام من إسرائيل والثأر لقصف قنصليتها بضرب إسرائيل من أراضيها لأول مرة منذ ٤٥ عاماً.. وأنها اكتفت بهذا القدر من الضربات السينمائية مُهدّدة إسرائيل على طريقة «وإن عُدتم عدنا».. إسرائيل كانت الأكثر سعادة، واعتبرت أنها انتصرت ونجحت فى منع الصواريخ والمسيرات من الوصول إلى أهدافها.. فلم تكن تتوقّع أن يأتى الرد الإيرانى بهذه الهيافة، وانكشف أمامها «البُعبع الإيرانى» ضعيفاً مستأنساً بعد أن كان مجرد التلويح به يُقلق مضاجع الإسرائيليين ويُرعب أمريكا نفسها.
هذا الفيلم الهندى كانت إسرائيل أكثر المستفيدين منه بتبييض وجهها القبيح وإظهارها أمام العالم بمظهر الضحية لا الجلاد بعد أن فقدت الكثير والكثير وظهرت على حقيقتها الإجرامية خلال حرب غزة.
إيران تقول إن المعادلة اختلفت، وإن نظرية التفوق العسكرى الإسرائيلى لم تعد موجودة، فها هى الصواريخ والمسيرات الإيرانية ملأت سماء إسرائيل، وفرضت قواعد جديدة للاشتباك، وأى اعتداء إسرائيلى على أراضيها أو على مصالحها سيُواجه برد أكبر، ولولا الحلفاء والأصدقاء والشركاء لكانت الأمور أسوأ كثيراً على إسرائيل التى أصبحت بعد ٧ أكتوبر و١٣ أبريل غير ما قبل، كما أن سيناريو يوم القيامة على إسرائيل كان من الممكن حدوثه.
إيران تقول إنها حقّقت أهدافها من العملية العسكرية.. الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى اعتبر أن ما تحقّق يمثل نجاحاً كبيراً وخرج ليقول للعالم: لقنا العدو الصهيونى درساً بليغاً.. ونُحذّره من أى مغامرة جديدة.. رئيس الأركان محمد باقرى أعلن أن الهجوم الإيرانى على إسرائيل الليلة الماضية أدى إلى تدمير موقعين عسكريين مهمين، وحذّر تل أبيب من الرد.
الضربة الإيرانية أثبتت أن إسرائيل غير قادرة على تأمين أمنها القومى دون حلفاء، وأن الأمن المطلق غير موجود فى إسرائيل ولا فى أى دولة فى العالم، وأن القبة الحديدية كفاءتها تتراوح من ٦٠ إلى ٧٠ فى المائة فقط، وكذلك مقلاع داوود.
أمريكا شاركت فى صد الضربة الإيرانية وقدّمت مع حلفائها كل الدعم لإسرائيل، وطلبت من الطرفين التوقّف عند هذا الحد وطلب بايدن من نتنياهو عدم الرد العسكرى مجدّداً.
لقد كانت ليلة كبيسة احتبست فيها أنفاس العالم، وخشينا -لسذاجتنا أن تتطور الأمور إلى حرب عالمية لا تُبقى ولا تذر ويكفى أن نعلم أن كلفة ليلة واحدة للدفاع الجوى الإسرائيلى فى التصدى للصواريخ والمسيرات الإيرانية بلغت ١٫٣ مليار دولار.
انتهت المسرحية الهزلية بهجوم علنى متفق عليه من كل الأطراف لصرف الأنظار عن غزة، والخلاصة أن كل فريق أقنع شعبه بأنه انتصر.. انتهى الفيلم الهندى بتبييض وجه إسرائيل وإظهارها بمظهر الضحية، خاصة بعد أن خسرت كثيراً خلال الشهور الأخيرة وظهرت على حقيقتها الإجرامية فى حرب الإبادة التى تشنّها على الأبرياء الفلسطينيين فى غزة.
أعتقد أن إيران قدّمت أكبر هدية لإسرائيل التى شاركت دول عديدة فى حماية سمائها وأضرّت ضرراً بالغاً بالقضية الفلسطينية.
ورغم كل هذا التصعيد غير المسبوق تظل مصر هى صوت الحكمة ورمانة الميزان، حيث طالبت جميع الأطراف بأقصى درجات ضبط النفس، لتجنيب المنطقة وشعوبها المزيد من عوامل عدم الاستقرار والتوتّر، وتجنّب جميع دول المنطقة وشعوبها ويلات الحروب.