صناعة الفخار فى قرية جريس.. الأجداد كسبوا «دهب» والأحفاد يعانون: «لا تجارة ولا تصدير»
شيخ الفواخرية داخل ورشته
لسنوات طويلة كانت صناعة الفخار هى مصدر الرزق الوحيد للآلاف من أهالى قرية جريس بالمنوفية، لكن مع تحول الفخار إلى «فلكلور» وسلعة فى البازارات السياحية، بدأت معاناة الأهالى تتفاقم، ومع تراجع حركة السياحة أصبحت الحرفة معرضة للاندثار تماماً، بعدما تركها الشباب بحثاً عن لقمة العيش فى أى مكان آخر، فيما بقى كبار الحرفيين متمسكين بها، باعتبارها «صنعة الأجداد».
شيخ «الفواخرية»: الشباب ابتعد عن المهنة لأنها شاقة ونستطيع المنافسة عالمياً رغم الكساد التجارى
على مسافة 38 كيلومتراً شمال القاهرة، توجد قرية جريس، التى يعود تاريخها إلى زمن الفراعنة، وهى تبعد 7 كيلومترات فقط عن مدينة أشمون، أو «أرض القمر» باللغة الهيروغليفية، وتعتبر القرية واحدة من 4 مناطق مصرية تشتهر بصناعات الفخر، هى الفسطاط فى القاهرة، وقنا وقوص فى الصعيد، بينما جريس هى المنطقة الوحيدة للصناعة فى الدلتا.
وطوال قرون مضت توارث أبناء جريس صناعة الفخار، التى اعتمدوا عليها كمصدر رئيسى للرزق، كانت تدر عليهم أرباحاً كبيرة، فلم يكن منزل واحد فيها يخلو من ورشة لصناعة الفخار، ولم يكن سطح منزل واحد يخلو من أعداد كبيرة من الفخار المصفوف استعداداً لوصول واحدة من المراكب أو الصنادل النيلية لنقله إلى المحافظات الأخرى.
«الوطن» التقت شيخ الفواخرجية فى قرية جريس، الحاج فوزى غنيم، داخل ورشته الأشهر فى القرية، التى يعمل فيها جميع أفراد أسرته، والذى أكد استمرار اشتغال أهالى القرية بصناعة الفخار، رغم الغلاء وعزوف الشباب عنها، لأنها مهنة شاقة وعائدها ضعيف، بسبب ثبات أسعار المنتجات على مدار سنوات، واحتكار عدد من التجار للسوق، موضحاً أن «75% من أهالى القرية كانوا يعملون بصناعة الفخار فى السابق، قبل أن يهجرها الكثير منهم، لأنها لم تعد قادرة على توفير لقمة العيش لهم، ولم يعد يعمل فيها إلا من يحبها».
طلبة الفنون الجميلة يقبلون على القرية لتعلم فنون الصنعة.. ووفود سياحية تقضى الوقت للاستمتاع بصناعة الفخار
وأضاف شيخ الفواخرجية أن «هناك شروطاً لإتقان الصنعة، منها أن يبدأ الصانع العمل فيها منذ الطفولة، لأنها حرفة تعتمد على الإحساس والتناغم بين يد الصانع والطين المراد تشكيله، لذلك لا بد من زرع الصنعة فى المتدرب منذ الصغر، حتى يشب عليها وهو يعرف أنواع الطين الصالحة للعمل، وكمية الماء اللازمة لتشكيله، والوقت اللازم لتخمره، ودرجة حرارة الفرن المناسبة له».
ولم يعد غريباً أن تجد الكثيرين من طلاب كليات الفنون الجميلة والتطبيقية يزورون القرية، لتعلم الحرفة على يد كبار الصانعين، حسبما يقول شيخ الفواخرجية، ومنهم من يعد دراسات عليا عن صناعة الفخار، لافتاً إلى أن وفوداً سياحية كانت تأتى إلى القرية قبل الثورة للاستمتاع بمراحل صناعة الفخار، «ما يعكس ولع الأجانب بالفخار المصرى، وحرصهم على شرائه»، على حد قوله.
وأشار إلى أن عدداً من كبار تجار الأنتيكات فى القاهرة حريصون على تصدير فخار جريس إلى العديد من دول العالم، والمعارض الدولية، مطالباً وزارة الثقافة بأن تهتم بصناعة الفخار فى مصر، لأن المصريين لديهم القدرة على المنافسة عالمياً فيها، وتصدير الفخار إلى كل دول العالم «رغم أننا نعانى كساداً تجارياً منذ ثورة 25 يناير، فلم نعد نصدر الفخار إلى الخارج»، كما لفت إلى أن القرية تمتلك العديد من المقومات التى تمكنها من التحول إلى قلعة لصناعة الفخار، التى يتوارثها أبناء جريس منذ آلاف السنين، منها توافر «الطينة السوداء الكثيفة»، بالإضافة إلى أن القرية تقع على مجرى النيل، كما توجد بها عمالة بأياد ماهرة تتمتع بخفة فى حركة القدم.