«مزلقان البليدة» بعد أسبوعين من «حادث العياط»: «مفيش فايدة»
عامل المزلقان أثناء إنزال الحاجز قبل مرور أحد القطارات
على طريق قرية «البليدة»، إحدى القرى التابعة لمركز العياط بمحافظة الجيزة، التى شهدت حادث تصادم قطار بسيارة نقل، مما أسفر عن مصرع 6 أشخاص وإصابة 3 آخرين قبل أسبوعين كاملين، وعلى الجانب الآخر يؤدى طريق المزلقان إلى قرية «بيتسا»، حيث مقر إقامة ضحايا الحادث، لا يتعدى عرض المزلقان 8 أمتار، ويزدحم بالمارة والسيارات، مما يعنى أنه لم يشهد أى جديد، وأن الحادث والضحايا كأن شيئاً لم يكن، لم يتحرك أحد لإزاحة الأذى عن المواطنين، أو يحميهم من المصير الذى ربما يكون فى انتظارهم جراء الإهمال الشديد، وهو كما يقول الأهالى فى تلك المنطقة، «لن يأتى إلينا جديد، ومفيش فايدة»، فضلاً عن تقديم الكثير من الشكاوى، إلا أنه لم ينظر إليها أحد.. «الوطن» انتقلت لرصد آراء الأهالى عقب مرور ما يقرب من 15 يوماً على الحادث.
«أحمد»: «أمن المرور بيسيب المزلقان ويروح يقعد على القهوة.. ومفيش رقابة ولا تجديدات»
فى طرف قريب، يجلس عامل المزلقان خارج كشك صغير لا يتعدى المترين، يساعد فى تشغيل حركة المرور إذا تعثّرت بسبب ازدحام السيارات، وإذا رن جرس التنبيه معلناً قدوم القطار، يقوم العامل مسرعاً لوضع الحواجز، خوفاً من وقوع الحوادث.
«الوطن» تزور موقع الحادث وتستمع لشهود العيان: المسئولون يكتفون بالوعود.. «وفى الآخر يقولوا الإهمال جاى منين»
قال عامل المزلقان محمد عبدالرحمن، 39 سنة: «أنا باشتغل هنا بقالى عشر سنين، وباخد مرتب 800 جنيه علشان أشتغل شغلتين، أنظم حركة مرور، وأضع حواجز أمام الطريق، لما بيجى لى تعليمات بأن القطر قادم بعد بضع دقائق، سواء كان من القاهرة إلى الصعيد أو العكس، والمفروض يكون معايا واحد أمن مرور هو المختص بتنظيم الحركة، لأن دى شغلانته، لكن هو مابيجيش غير العصر، المفروض يكون موجود من الساعة 8 الصبح معايا، لدرجة إنى لما باحب أروح الحمام ماباعرفش بسبب إنه مش موجود، وأنا المسئول هنا، ولو القطر جه، وأنا ماقفلتش الطريق ممكن تحصل كارثة، وأنا ماعرفش القطر بييجى إمتى، ممكن ييجى فى الساعة عشر مرات، وممكن ييجى فى الساعة مرة واحدة، وأوقات مابيجيش فى اليوم غير مرة أو اتنين».
ويتناول الرجل كوب شاى، وينفخ من فمه ليطرد حرارته قبل أن يرشف منه، ويقول: «المزلقان ده بيحصل فيه حوادث كتير، وبعد حادثة العياط الأخيرة، ماحصلش أى تجديدات فى المزلقان، ولا توسيعه ولا صيانته، وفى الآخر يحملونا مسئولية الضحايا، السبب أحياناً بيكون من سواق القطر، والحادثة الماضية المعروفة بحادثة العياط، كان السبب فيها هو اللى المفروض لما قطر بيبقى جاى من الصعيد للقاهرة بيدينا جرس تنبيه وإشارة قبل ما ييجى بخمس دقايق، لكن القطر ماعطاش إشارة، فبالتالى عامل المزلقان ماقفلش الطريق، وأمن المرور مانظمش الحركة، فكان فيه عربيات ملاكى، فصدمت فى القطر، ومات 8 أشخاص، ودى مش أول حادثة، حصل قبل كده حوادث كتير زى الحادثة اللى حصلت فى 2002، وكانت من أسوأ الحوادث اللى حدثت فى تاريخ مصر، اندلعت النيران بإحدى عربات القطار المتوجه من القاهرة إلى أسوان.
وشاهد الركاب دخاناً كثيفاً بها، وامتدت النار إلى آخر القطر، فمات حوالى 350 شخصاً، والمسئولين اهتموا فى البداية بأن يجددوا مزلقان البليدة ويوسعوا الطريق، لكن بعد مرور شهر على الحادثة ماشُفناش أى حاجة من اللى وعدونا بيها، وحاولت أقدم شكاوى كتير لحد ما زهقت، محدش بيسمع لنا، والمفروض أنا ليا تأمين، لكن ماباشُفش أى حاجة».
عامل المزلقان: «الحادثة ماغيرتش أى حاجة وماباعرفش المواعيد اللى بتعدى فيها القطارات.. وباخد 800 جنيه عشان شغلتين الأولى أنظم المرور والتانية أضع حواجز أمام الطريق».. و«زوجة شقيقى حصلت على 15 ألف جنيه تعويض عن جوزها وأولادها ومحدش فكر يطور المزلقان»
وأضاف «عبدالرحمن»: «القرية هنا مهملة، مفيش صرف صحى حتى المستشفى الموجودة، الدكاترة اللى فيها خبرتهم قليلة، مفيش صيانة أو تطوير، ولما باتعب واحتاج أعمل عملية بيقعدونى 6 شهور علشان أعملها»، مختتماً: «أنا باتمنى من المسئولين ينظروا لينا بعيون الرحمة، إحنا هنا بنموت، ومحدش حاسس بينا، هو معقول أشتغل 8 ساعات كل يوم علشان آخد فى الآخر 800 جنيه، وكل ما نطالبهم بزيادة يقولوا لينا فيه أزمة فى البلد، وطالبت أكتر من مرة بتوسيع طريق المزلقان علشان مايحصلش حوادث تانية، فالمزلقان مساحته حالياً لا تتعدى 8 أمتار، ولو عربيتين على الطريق بيعدوا مش هيعرفوا، لكن لا حياة لمن تنادى، ونرجع نقول مفيش فايدة».
ويتفق معه ممدوح عبدالله، 42 سنة، تاجر، وشقيق أحد ضحايا حادث مزلقان العياط، قائلاً: «أخويا (وليد) مدرس فى مدرسة العياط، عنده 3 أولاد، خرج فى يوم الحادثة لعمله، وأثناء استقلاله سيارة ملاكى، سواق القطر نسى يضغط على جرس التنبيه، فعامل المزلقان نسى يضع الحواجز الفاصلة بين السيارات وبين خط مرور القطر، فأدى ذلك لوقوع الحادثة، بعدها ذهبت إلى هيئة السكك الحديدية لتقديم شكاوى لتوسيع المزلقان ووضع سور فاصل، كى لا تتكرر مثل هذه الحوادث مرة أخرى، لكن كان ردهم عليا هندرس الموضوع وهنرد عليك».
ويستكمل «ممدوح» حديثه، قائلاً: «رغم إنى عارف أن مفيش أى تغيير هيحصل، وده مش حال المزلقان فقط، ده حال القرية بأكملها، فالبلد هنا مهمّشة، جميع القرى بتعانى من الفقر وقلة الميه والكهربا، لدرجة أنهم بيبيعوا الميه فى جركن بجنيه»، مضيفاً: «زوجة شقيقى حصلت على 15 ألف جنيه من مجلس الوزراء كتعويض، وإحنا مش عاوزين تعويض، إحنا عاوزين المزلقان يتطور، دايماً القرى والصعيد من أكتر البلاد المهملة فى جميع الخدمات، القرية هنا مفيش صرف صحى، ولا ميه نضيفة، والمزلقان الموجود على الطريق لا يتعدى 8 أمتار من أكثر من عشر سنين، وسبق وحصل حوادث عليه، مثل حادثة اصطدام قطار قادم من الجيزة إلى الفيوم فى طريقه، بجاموسة كانت تمر على شريط القطار فى منطقة العياط، وبعدها قام سائق قطار الفيوم بالتوقف، ليقوم بتهدئة الأهالى، لكنه لم يعطِ أى إشارة بالتوقف، وأثناء قدوم قطار أسيوط القادم من القاهرة بسرعة 200كم، تفاجأ بتوقف قطار الفيوم أمامه واصطدم به، مما أدى إلى تحطّم آخر عربيتين فى القطار، وتسبّب فى مقتل 30 مواطناً، فطالبنا بعدها بتحسين خدمة المزلقان وتوسيع خط السير، لكن فى كل مرة المسئولين بيتحمسوا لينا فترة بعد وقوع الحادثة، ويوعدونا بأن المزلقان سيتطور، لكن كلها وعود».
«عبدالرحمن»: المسئولون يهتمون شهراً بعد الحوادث لكننا «ماشفناش حاجة من وعودهم»
وقالت نادية أحمد سعد، من أهالى ضحايا الحادث: «زوجة ابن عمتى (وردة عمار سيد)، خرجت يوم حادثة القطر ومعاها أولادها، (بدوى)، 10 سنين، و(منة) 12 سنة، كانت رايحة المستشفى للكشف على بنتها، وأثناء سيرها على الطريق، فوجئت بقدوم القطار فجأة، دون الضغط على جرس التنبيه، أو وضع حاجز يفصل بين المواطنين والسيارات، وزوجها ماعرفش غير بعدها بدقائق أثناء عمله فى شركة الغزل والنسيج، وراح المستشفى للاطمئنان عليهم، لكنهم كانوا قد توفوا». وتتابع «نادية»: «وبعدها قرر تقديم شكوى فى هيئة السكة الحديد، وطالبنا بتعويض، فحصلنا على 5 آلاف جنيه عن المتوفى الواحد، ورغم مطالبتنا بتوسيع الطريق والاهتمام بالقرية محدش بيسمعنا، ولا كأننا عايشين، وبعد الحادثة توقعنا بأن المسئولين هيهتموا، لأن مزلقان العياط مشهور بحوادث كثيرة طوال عشر سنين فاتت، فوعدونا بإنشاء سور كبير وتوسيع المزلقان بعد الحادثة الأخيرة، لكن ما زلنا ننتظر وعودهم الكاذبة، لكن مفيش فايدة».
«نادية»: نطالب بتوسيع الطريق والاهتمام بالقرية و«محدش بيسمعنا ولا كأننا عايشين»
وقال أحمد عبدالحميد، 48 سنة، موظف بوزارة البحث العلمى: «بعد الحادثة قدّمت شكاوى كتير أنا وأهالى المتوفين بسبب ضيق المزلقان والإهمال فى القرية، سواء كان فيه خدمات للصرف أو المياه الملوثة أو ضيق الشوارع، خاصة بوجود وعود بتحسين الخدمات، ومعاقبة المسئولين عن الحوادث، لكن كله بيبقى كلام، محدش بيعمل حاجة»، مشيراً إلى أن الحادثة الأخيرة اللى مات فيها 8 أشخاص كان سببها الشبورة المائية وسواق القطر، عامل المزلقان مش مذنب وأنا مستغرب إزاى سواق القطر ياخد براءة، ولا يزال عامل المزلقان فى القضية، وهو مجرد شخص بينفذ تعليمات، والسواق لما كان جاى من الصعيد إلى القاهرة ماضغطش على جرس الإنذار، والشبورة كمان كانت موجودة، فمايعرفش أن القطر جاى علشان يضع الحاجز لمنع سير السيارات، لذلك قدّمنا شكاوى طالبنا فيها بإنشاء سور عازل بين الإسكان والسكة الحديد وإنشاء مظلة على الطريق السريع، بسبب كثرة الحوادث المستمرة على المزلقان، لكن محدش ساعدنا».
واختتم حديثه: «إحنا فى القرن الـ21، ومفيش ميه ولا صرف، بندفع فاتورة ميه 70 جنيه شهرياً، من غير ما نستهلك، وحتى أمن المرور بيترك المزلقان ويروح يقعد على القهوة، ومفيش رقابة ولا تجديدات فى الطريق، ونرجع فى الآخر نقول الإهمال جاى من مين، طب ما نصلح الأول الطرق، وبعدين نشوف الإهمال جاى منين».
عامل المزلقان محمد عبدالرحمن
ممدوح عبدالله
أحمد عبدالحميد