د. محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق لـ«الوطن»: يجب استثناء 50 مليوناً لا ينطبق عليهم «حد الكفاية» من الشريعة
قال الدكتور محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق: إن القوانين المطبقة فى مصر ليس بها ما يخالف الشريعة الإسلامية، وإنما فقط لا تطبق الحدود، التى لم يتأهل المجتمع المصرى لتطبيقها بعدُ؛ نظرا للأحوال المعيشية الصعبة التى يعاصرها. وأضاف: الشريعة تحتاج إلى علماء لتطبيقها؛ لأن هناك مذاهب وكتباً لفقهاء كثيرين يختلفون فى تطبيقها، وهو الأمر غير المتوافر الآن؛ حيث يوجد بمصر نوعان من الذين يريدون تطبيق الشريعة: الإخوان الذين يريدون تطبيقها وفق مبادئ سيد قطب، والسلفيون الذين يريدون تطبيقها وفق فقه ابن تيمية، وكلاهما ينص على استخدام القوة.[Image_2]
* ما القوانين التى تخالف الشريعة الإسلامية، وبناء عليه يطالب الإسلاميون بضرورة وجود نص بالدستور عليها؟
- الدين الإسلامى عبارة عن قسمين، الأول: العبادات أو العقيدة، والثانى: المعاملات، ومصادر الدين الإسلامى: القرآن والسنة بالدرجة الأولى، ثم تأتى مصادر القياس وشرع ما قبلنا فى أصول الفقه الإسلامى وما شابه ذلك، القرآن به 6235 آية، منها 275 آية خاصة بأحكام المعاملات، يقال على آيات القرآن إنها قطعية الورود، أى أنها نزلت من الوحى، سيدنا جبريل، على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهناك آيات قطعية الدلالة، وهناك آيات ظنية الدلالة، فما ينص على أن السارق والسارقة تقطع أيديهما لا يُفهم كما هو؛ حيث لم يُشر مَن السارق وكيف تقطع يده، وما الأدلة لإقامة الحد، وبهذا انشغل الفقه الإسلامى، وهناك 4 مذاهب فى الفقه للسنة و12 مذهبا للشيعة، تفسر نفس الأدلة الرئيسية فى القرآن والسنة ومختلفة مع بعضها؛ فهناك آراء لابن حنبل وأبى حنيفة والشافعى، وهذه الآراء مختلفة مع بعضها، كل واحد يفهم النصوص حسب عقله وتاريخه الدينى وفهمه، بناء على ذلك الكلام على الشريعة يكون عن العقيدة، شعائر الإسلام الخمس، وهذا الجزء عندما نطل على مصر نجد أنه مطبق، وجانب العقيدة مطبق؛ فهناك 10 آلاف مسجد فى القاهرة وحدها بخلاف الزوايا؛ لذا فالجزء العقيدى لا تمكن المزايدة عليه؛ فمصر ملتزمة به، يبقى الجزء الخاص بالمعاملات، مصر تعتبر دولة إسلامية منذ فتحها عمرو بن العاص، حتى دستور 1923، عندما بدأوا يقننون مبادئ الشريعة.
* هل يمكننا القول إن مصر كانت تسير وفقا للشريعة الإسلامية قبل 1923؟
- نعم، فى المعاملات، وكانت مصر تطبق مذهب أبى حنيفة فى المحاكم الشرعية التى ألغاها جمال عبدالناصر وحوّلها إلى محاكم مدنية، وفى عام 1929 كوّنوا لجنة من المشايخ والعلماء والمفكرين لتقنين الشريعة الإسلامية، فكان أول قانون عام 1929 خاصا بالأحوال الشخصية السارى حتى الآن مع بعض التعديلات، التى تنظم الزواج والطلاق والنفقة، وعندما وضعوه لم يلتزموا بمذهب أبى حنيفة ومذاهب السنة، انتقوا الأحكام المتفقة مع الحضارة المصرية والوضع العام للمصريين والمصلحة العامة لهم من جميع المذاهب بما فيها مذاهب الشيعة، وبهذا فإن القوانين ليس بها ما يخالف الشريعة؛ لأن القانون العقابى الشرعى به قسمان: قسم الحدود، وقسم التعاذير، وما هو مطبق فى قوانين العقوبات لدينا هو قسم التعاذير، وموجود عقوبات على كل الجرائم، لا يوجد فى العقوبات ما يتعارض مع الشرع، والحدود السبعة لا تطبق.
* ما الحدود السبعة؟
- القذف، الحرابة، القتل، الزنا، السكر، السرقة، الردة.[Quote_1]
* ما الذى يجعل هذه الحدود غير مطبقة؟
- بالنسبة لنا كمتخصصين فى وضع القانون الوضعى ودارسين للشريعة الإسلامية، فإنه وفقا لمبادئ الإسلام أيام الرسول، صلى الله عليه وسلم، أو فى الدول العباسية أو الأموية، فإن هذه الحدود لا تطبق إلا بعد توافر شرط جوهرى هو أن يكون لدى الشعب حد الكفاية: العمل والملبس والعلاج، عندما يتوافر حد المعيشة، وتقطع اليد حال السرقة، هذه الحدود غير موجودة، وليس مفترضا تطبيقها إلا بعد توافر حد الكفاية عند كل مسلم، لكن واقعياً فى مصر، هناك 45 مليونا تحت خط الفقر، وهناك 12 مليونا من معدومى الدخل، وهناك بطالة من حملة المؤهلات والأميين، كذلك هناك 50% من الشعب أمى لا يقرأ ولا يكتب، هذه هى حالة المجتمع المصرى التى تبرر عدم تطبيق الحدود الآن، المبدأ العام لا بد من وجود حد الكفاية، بدليل أن عمر بن الخطاب لم يقم حد السرقة فى عام الرمادة، حين وفدت قوافل من الشام وخرج المسلمون الجائعون ونهبوها؛ لأن هذا دفاع شرعى، كما هو معروف فى علم النفس الحديث، ومن أهم مقاصد الشريعة: حفظ النفس، و«الناس هتموت، ومفيش طريقة غير إنها تستولى على الأغذية»، وسيدنا عمر بن عبدالعزيز قال: «لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لجعلت لكل مسلم بيتا يؤويه وزوجة يسكن إليها، ودابة يركبها»، هذا هو مستوى حد الكفاية كى يعاقب الناس بالحدود والعقوبات المدنية الشديدة.
* معنى ذلك أن الخلفاء الراشدين امتنعوا عن تطبيق الشريعة الإسلامية فى الأعوام القاسية!
- نعم؛ لأن فى القرآن وفى أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، وفى تصرفاته، أنه يمتنع الحكم لو وُجدت ضرورة لامتناعه لصالح مقاصد الشريعة، وهى حفظ النفس، كذلك يوجد فى فقه الإسلام نظرية الضرورة، وترك الحكم الشرعى لإنقاذ حياة الناس مطابق للشريعة، ووفقا للوضع المصرى فإن 50 مليون مصرى فى حالة دفاع شرعى عن النفس، لا تطبق الحدود عليهم ولو طبقنا عليهم الحدود سيخضعون للقتل وقطع اليد والرجم.[Quote_2]
* الشريعة أول ما تطبَّق تطبق على الحاكم، فهل يطبقها الحاكم والقائمون على شئون البلاد فى مصر الآن؟
- أشك أن الموجودين حاليا يطبقون الشريعة الإسلامية، وإنما يطبقون المبادئ التى وضعها لهم حسن البنا وسيد قطب، حسن البنا كان خطيبا ويمتلك كاريزما، وكان قادرا على حشد الناس، ولم يكن له مذهب فكرى، لكن ما قام بالمذهب الفكرى للإخوان هو سيد قطب، وله كتابان يعتنق ما جاء فيهما التابعون الموجودون فى جماعة الإخوان المسلمين، وقال قطب: إن المجتمعات الإسلامية الحالية فى مصر مثل باقى الدول الإسلامية الآن، ليسوا إسلاميين، وإنما جاهليون، ومصر دولة جاهلية؛ فالمسلمون هم الذين يتبعون مذهبه، وهم الإخوان المسلمون، وطلب منهم أن يعيدوا المصريين إلى الإسلام، سواء بالدعوة والإقناع أو بالقوة، ومن ثم ظهرت من جماعة الإخوان المسلمين الموجودة منذ 80 عاما، العناصر التكفيرية والجهاد الإسلامى، التى تستخدم القوة لفرض الإسلام على من هم ليسوا مسلمين، ولذلك الآن هناك فريقان فى الإخوان، فريق قطبى يريد استخدام القوة، ، وفريق آخر يريد استخدام الخطابة والإقناع لعودتهم للإسلام بناء على فهم الإخوان، والدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، يسير فى فهم الشريعة حسب ما قرره سيد قطب وما قاله من مبادئ وأهداف لجماعة الإخوان، وأفكار سيد قطب اجتهاد ذاتى؛ لأنه لا يوجد فى الشريعة الإسلامية فرض أحكام الشرع الإسلامى بالقوة.
* لكن الإخوان ليسوا هم سبب الأزمة الحقيقية وراء مادة الشريعة، فمن الواضح أن السلفيين هم المشكلة؟
- السلفيون لا يتبعون سيد قطب ولا حسن البنا فى أفكارهم، وإنما يتبعون ابن تيمية، تلميذ ابن حنبل، وتلميذه ابن القيم الجوزى، والفرق بينهم وبين الإخوان أنهم يريدون العودة إلى تطبيق الشريعة كما كانت فى عصر الرسول، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين، فى كل شىء: فى اللبس، والذقن، وإن كل من يختلف معهم كافر، فهم يرون أن الـ90 مليون مصرى فيما عداهم كفرة، السلفيون يختلفون فى أن القوة لا تُستخدم فى الدعوة فقط وإنما فى كل شىء.[Quote_3]
* ما تاثير تطبيق الشريعة على المجتمع؟
- فى تفكير السلفيين، إن كل الثقافة التى نعيش فيها جزء منها مستمد من الحضارة الغربية، سواء التكنولوجيا أو الأدب العالمى، وآثار الفراعنة حرام، تمثل عبادة للأوثان، ومقدمات الزنا وكل ذلك يجب أن يلغى ويختفى ويحارب بالقوة إذا اقتضى الأمر.
* ما تأثير تطبيق الشريعة على الاقتصاد؟
- منع الفنون والأدب والخمر للأجانب سيؤدى إلى تدمير السياحة؛ لأن الأجانب، حسب عقيدتهم، «الدين» لديهم يقول: قليل من الخمر يصلح المعدة. من المفترض أن يعملوا ما يعملون فى جلسات مغلقة، لكن السلفيين يرون أنه لا سياحة سوى للمساجد الأثرية، ويرون أنه بعد أن تلغى هذه القاذورات، من وجهة نظرهم، سيرزق الله المسلمين بغير حساب، وما يكفل لهم الكفاية والرفاهية، الذى يعمل التقدم هو العلم والتكنولوجيا وليس الإسلام، لو المسلمون ليسوا متعلمين وليس لديهم قدرة على الاختراع والابتكار لن يتقدموا كما نحن الآن.
* ما تأثير تطبيق الشريعة على الأقباط؟
- عشت تجربة عملية معهم فى هذا الشأن؛ لأنى كنت منتدبا عام 1980 مستشارا لمجلس الشعب، وقت إعداد تعديل الدستور الذى كان يريده الرئيس السادات، الخاص بأن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، بدلا من مصدر للتشريع، وانسحب ممثلو الأقباط من اللجنة احتجاجا على هذه المادة، وأحضروا من كتب ابن تيمية وكتب المواردى والأحكام السلطانية الكلام الذى يقول إنهم من المفترض أن يدفعوا الجزية، ولا ولاية لغير مسلم على مسلم، وأن يرتدوا زيا يميزهم عن غير المسلمين، كذلك إنه من الممكن أنه إذا شهد اثنان مسلمان على غير المسلم بأنه سرق فتقطع يده، وعندما عرف السادات أرسل النبوى إسماعيل، وزير الداخلية فى هذا الوقت، واتصل بى وزير الداخلية، وقلت له: «الناس دى عندها حق، ولا بد أن نحدد ما هى مبادئ الشريعة الإسلامية فى أعمال المذكرة والتقرير الذى سيحدث فى التعديل، وألا تطبق مبادئ الشريعة أوتوماتيكيا وإنما من خلال قوانين تؤكد المساواة وعدم التفريق بسبب الدين فى الوظائف العامة»، وأقنعنا الأقباط بذلك.
أخبار متعلقة:
«مواجهة الشريعة» فى مواد «الدستور»
د. نصر فريد واصل لـ«الوطن»: «الشريعة الإسلامية والتمتع بالحياة» وجهان لعملة واحدة.. والناس أعداء ما يجهلون