الفقيه الدستورى د. جابر جاد نصار يكتب: الوضع البائس والمهين للعمال والفلاحين فى مشروع الدستور
لست ناصرياً ولكن أحمل تقديراً ومحبة واحتراماً للزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر للدور الذى قام به فى حماية الطبقات الفقيرة ومنها بطبيعة الحال العمال والفلاحين.
صحيح أننى بحسب تكوينى كأستاذ للقانون الدستورى أرى أن الديمقراطية لم يكن لها فى فترة حكمه حظاً وفيراً ولكن على المستوى الإنسانى وباعتبارى ابناً لرجل فلاح بسيط من ريف مصر استفاد من التجربة الناصرية، حيث تعلم فى كنفها وصار إلى ما صار إليه -بقدر الله- وبهذه الأسباب، ولذلك فإنى شديد الاحترام لتاريخ هذا الرجل العظيم الذى ما زالت محبته تسكن قلوب المصريين، وما زالت صوره تجارة رائجة بين جنبات ميادين الثورة المصرية فى كل مدن مصر المحروسة.[Image_2]
إن احتفاء الفترة الناصرية، على كثرة المشاكل التى عانت منها وعاشت فيها، بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والعمل على تقوية الطبقة المتوسطة وحمايتها من أن تقع فريسة للفقر والجهل والمرض أمر لا ينكره منصف، وما زالت ذاكرة الشعب المصرى كله، إلا قليلاً، تدرك أن الفترة الناصرية كانت بحق أكثر الفترات التى مثلت حماية للعمال والفلاحين الذين يمثلون السواد الأعظم من الشعب المصرى.
وفى هذه الفترة عمد التنظيم الدستورى والقانونى إلى فرض هذه الحماية بنصوص دستورية ونصوص قانونية. وهو اتجاه محمود، حيث إنه كما فى الأثر أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ومن هنا فإن هذه النصوص التى مثلت موروثاً دستورياً وقانونياً لحماية الطبقات الفقيرة والمهمشة من جموع المصريين الذين يمثلون السواد الأعظم كانت أيضاً سبيلاً قواماً إلى استقرار نظام الحكم واكتساب الشرعية السياسية، وكان الانقلاب على هذا الموروث الدستورى كفيلاً بأن يغير خريطة مصر السياسية والاجتماعية.
إن الانقلاب على هذه المنظومة الحمائية للعمال والفلاحين فى حقيقة الأمر بدأ منذ بداية السبعينات ومع إصدار دستور 11 سبتمبر 1971، حيث تميز هذا الدستور بإهماله الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إهمالاً تاماً وبدت نصوصه التى نظمت هذه الحقوق مجرد شعارات عامة ومبهمة وليس لها أى مدلول دستورى منضبط، فضلاً عن افتقار هذا التنظيم الدستورى لآلية الحماية الدستورية التى تراقب التزام الدولة والحكومة بتفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وفتح الباب للتحايل فى تطبيق نسبة الـ50% عمال وفلاحين فى البرلمان سواء فى مجلس الشعب أو فى مجلس الشورى، وانتهى التطبيق العملى لهذه النسبة إلى أن يمثل الفلاحين والعمال من لا صلة لهم بهذه الفئة أو تلك، بل عمدت الحكومة أيضاًً إلى اختراق التنظيمات النقابية العمالية والفلاحية حتى تسيطر عليها وتضمن ولاءها للحكومة وليس للعمال والفلاحين. حتى بلغ الفقر والجوع والجهل مبلغه بهذه الفئة وتلك، وكان العمال يجاهدون فى الحصول على الحد الأدنى من حقوقهم لا سيما فى حد أدنى من الأجر قد لا يكون كافياً ولا مناسباً ولكنه دائماً المصرى الذى يرضى بالقليل، وعلى الرغم من أن أجراس الإنذار دوّت فى كل مدن مصر بإضرابات عمالية وكذلك شوارع العاصمة وأمام مرافق الحكومة ومبانيها فإن الدولة، والحكومة، قد أصمت أذنيها وأغلقت عقلها وأغلظت قلبها فلم تسمع آهات العمال وأناتهم وأهملتهم، ولم يكن الفلاحون أكثر حظاً بل كانوا أقل حظاً، فقد أهملتهم الحكومة بصورة متعمدة، وتآمرت عليهم، وأصبح الفلاح يغرق فى المرض والجهل والفقر وأصبح موعد الحصاد ومواسمه التى كانت تُعتبر عيداً للفلاح كابوساً كبيراً، حيث لا يستطيع أن يسوّق إنتاجه أو يسدد ديونه وهجر الفلاح أرضه.[Quote_1]
ولما كانت الطبقة المتوسطة فى مصر قوامها العمال والفلاحون ومتوسطو الحال من موظفى الدولة فقد انهارت هذه الطبقة وقت أن انهارت الحماية الدستورية والقانونية التى تميزت بها المنظومة السياسية فى مصر الناصرية. وكان الفلاحون والعمال جزءاً كبيراً من الثورة المصرية إن لم يكونوا الجزء الأكبر، وهو ما كان يستدعى أن النظام الذى ولدته الثورة كان ابناً شرعياً لها بحق يولى اهتماماً وعناية بهذه الطبقات، ومن ثم بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية. والحقيقة أن ذلك لم يحدث على الإطلاق، فالذى حدث هو أن هذا النظام أعطى ظهره منذ اليوم الأول لمشاكل العمال والفلاحين ولم تكن مشاكلهم على أجندة أولوياته بل لم يفكر فيهم على أى وجه.
وكان تمثيلهم فى الجمعية التأسيسية ضعيفاً إلى حد كبير وخلت هذه الجمعية من مناضلين محترمين أفنوا حياتهم فى سبيل حقوق العمال أمثال كمال أبوعيطة وغيره، واحتل صدارة المشهد تمثيل سياسى فى ثوب عمالى وفلاحى باستثناء تمثيل الحاج محمد عبدالقادر، نقيب الفلاحين، الذى دافع دفاعاً مريراً عن مصالح الفلاحين وحقوقهم ولكن لم يسمع له أحد فانسحب مع المنسحبين. بل إن إدارة الجمعية المتمثلة فى رئيسها كانت أكثر استخفافاً بحقوق العمال والفلاحين، ذلك أنه استخف بجرأة يُحسد عليها بتاريخ وطن وسيرة زعيم ما زالت تملأ الآفاق وترفع صوره فى التظاهرات وتزدان بها ميادين الثورة. وهو الأمر الذى يؤكد عدم الوعى بتاريخ الدولة المصرية، والأمر لله من قبل ومن بعد، وحسبنا وحسب العمال والفلاحين الله العلى العظيم.
هذا الجو المفعم بالعداء الشديد للعمال والفلاحين وعدم الإحساس بمعاناتهم الشديدة وما آل إليه حالهم وعدم وجود من يمثلهم تمثيلاً حقيقياً فى الجمعية التأسيسية، ولذلك جاءت النصوص المنظمة لحقوق العمال والفلاحين بائسة فقيرة لا قيمة لها ولا تتضمن التزامات دستورية محددة وذلك كما يلى:
أولاً: فيما يتعلق بالفلاحين.
بالنسبة للفلاحين أو الزراعة جاء مشروع الدستور بالمادة (15)، والمادة (16)، وتنص المادة 15 على أن:
«الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى، وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتعمل على تنمية المحاصيل والأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها، وتحقيق الأمن الغذائى وتوفير متطلبات الإنتاج الزراعى وحسن إدارته وتسويته ودعم الصناعات الزراعية.
وينظم القانون استخدام أراضى الدولة، بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويحمى الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال».
والحق أن هذا النص الذى تباهى به رئيس الجمعية عند التصويت عليه فى الجلسة الماراثونية الشهيرة بأنه يصون حقوق الفلاحين وغاية مناهم ومحط آمالهم وهو ما جعل أعضاء الجمعية كلهم -جزاهم الله خيراً- يوافقون عليه بالإجماع، هذا النص فى الحقيقة لا يرتب أى التزامات على الدولة، وذلك أنه جاء فى عبارات عامة ومبهمة ولا يرتب التزاماً دستورياً على الدولة أو الحكومة، فضلاً عن أنه لا ينص على حماية محددة للفلاحين، ولم يتطرق إلى المشاكل التى يعانون منها.
وفى جلسة الجمعية العامة التى تمت مناقشة هذا النص فيها بصورة مبدئية طرحت أنا شخصياً تعديلاً لهذا النص كان يمكن أن يعالج كثيراً من الخلل الذى اعتوره.
وتمثل ذلك فى أربعة اقتراحات لتعديل النص تتمثل فى:
أولاً: ضرورة التزام الدولة بتوفير المياه للأرض الزراعية أو المستصلحة أو القابلة للاستصلاح، فذلك أولى لحماية الأرض الزراعية من العطش الذى يضرب كثيراً من الأراضى الزراعية فى مصر المحروسة، والحكومة لا تحرك إزاء ذلك ساكناً، بل لقد تبلد إحساسها مما أدى إلى بوار الأرض الزراعية وانعدام خصوبتها مما أفقر الفلاح وأحزنه.
ثانياً: التزام الدولة بتوفير مستلزمات ومتطلبات الإنتاج الزراعى للفلاح بسعر تعاونى ومحاربة استغلاله من قِبل التجار، وهو الأمر البادى للصياغة ويمثل إشكالية كبيرة بالنسبة للفلاحين لا سيما وقد تحول بنك الائتمان الزراعى إلى بنك ربوى يهتم بتحصيل الفوائد من الفلاحين أكثر من اهتمامه بتوفير هذه المستلزمات.[Quote_2]
ثالثاً: التزام الدولة الجاد بضمان تسويق إنتاج الفلاح من الحاصلات الزراعية، وهى مشكلة معقدة إلى حد كبير حيث إن هذه الالتزامات ظلت الدولة ملتزمة بها حتى أواسط العقد الثامن من القرن الماضى حتى فى ظل دستور 11 سبتمبر 1971، فكان الفلاح يزرع المحاصيل القومية كالقمح والأرز والقطن ثم يوردها إلى الجمعية الزراعية، وكانت الدولة تضمن شراءها بثمن محدد وعادل ولكن للأسف فى الربع قرن الأخير تخلت الدولة عن هذا الالتزام ولم تضمن على الأقل ثمناً عادلاً لبيع حاصلات الفلاح وتركتها لمنظومة العرض والطلب فافتقر الفلاح وأصبح التجار والوسطاء هم المستفيدون من ذلك، فنشأت طبقة طفيلية جمعت ثروتها من عرق الفلاح وساهمت فى إفقاره، وكانت الدولة غائبة ومغيبة عن الفعل ورد الفعل. وهو ما زاد من بؤس الفلاح وتدهور حالته الاجتماعية فى المعيشة التى زاد من تدهورها انهيار منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سواء فى تولى الوظائف العامة أو الضمان الاجتماعى أو العدالة الاجتماعية وما ارتبط بذلك من تدنى الخدمات الصحية والاجتماعية.
رابعاً: التزام الدولة بتخصيص حصص من الأراضى المستصلحة والقابلة للاستصلاح لصغار الفلاحين والمزارعين وهو حق لم أكن أتصور أن يمارى فيه أحد أو يعارضه أحد، وقد حدث أن وافقت لجنة الصياغة العامة بالإجماع على ذلك وفى حضور السيد نقيب الفلاحين الحاج محمد عبدالقادر، وتم تعديل النص على ذلك وابتهج الجميع بذلك.
إلا أن المفاجأة أن النص الذى تم التصويت عليه فى الجلسة الأخيرة الشهيرة للجمعية لم يتضمن هذا التعديل وهو أمر غريب وعجيب، ولكن نظراً لأن ذلك تكرر كثيراً وشمل التعديل والتغيير نصوصاً عديدة من هذا المشروع لم يعد لهذا العجب محل. هذا ما يتعلق بالمادة 15.[Image_3]
أما المادة 16:
فقد كان أمرها عجباً، حيث إن هذه المادة لم تُتداول بأى شكل من الأشكال فى لجان الجمعية أو مسوداتها، وفوجئ الجميع سواء داخل الجمعية أو من يتابع جلساتها أمام الشاشة -حيث حققت هذه الجلسة نسبة مشاهدة عالية فاقت فى كثافتها متابعة مسلسلات الدراما والكارتون وهو ما نوه إليه السيد رئيس الجمعية فى نهاية جلستها هذه- فوجئ الجميع برئيس الجمعية يقول إن هذه المادة قد تم وضعها هدية للشعب المصرى ويجب أن نهنئه على هذه المادة!!
والأمر الأغرب والأعجب أن أحداً من أعضاء الجمعية لم يكلف نفسه ويسأل الرئيس كيف وفدت هذه المادة إلى الجمعية، ومن الذى وضعها، ولم يناقشوا صياغتها ولا دلالتها وما الفائدة التى سوف تحققها.
وقد جاءت صياغة المادة كما يلى: «تلتزم الدولة بتنمية الريف والبادية، وتعمل على رفع مستوى معيشة الفلاحين وأهل البادية».
وهو نص لا قيمة له من الناحية الدستورية، حيث لا يبين كيف يتم ذلك، كيف تحدث التنمية؟ وكيف يتم رفع مستوى معيشة الفلاحين وأهل البادية؟
إن هذا النص وُضع لاسترضاء الفلاحين أو بالأحرى للضحك عليهم؛ فمن الملاحظ أن الجمعية كانت تحاول مغازلة الفلاحين كما العمال حتى تضمن تسويق هذا المشروع إليهم، وفاتها أن المصريين تغيروا وأن وعيهم أكثر مما قدرت وأن حاجاتهم أكثر عمقاً، ومطالبهم أكثر تحديداً مما ذهبت إليه الجمعية، وهو ما أدى إلى انسحاب ممثل الفلاحين من الجمعية مع المنسحبين.
أما النص الأخير الخاص بالفلاحين فهو نص المادة 67 من المشروع، وينص على أن:
«تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والعمالة غير المنتظمة، ولكل من لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى».
وهذا النص رغم نبل غايته فإنه لا يلزم الدولة، فصيغته لم تأتِ بصيغة الإلزام وهو ما كان يجب أن يكون، وهى الإشكالية التى تمثل عيباً فى صياغة أغلب النصوص المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يفرغ هذه الحقوق من محتواها.
ثانياً: فيما يتعلق بالعمال.
فإذا كان ما سبق حق الفلاحين فقد جاءت حقوق العمال فى المشروع أكثر بؤساً، حيث إن هذا التنظيم جاء فى مادتين كما يلى:
المادة 27 وهى تقابل حرفياً المادة 26 من دستور 11 سبتمبر 1971 وتنص على:
«للعاملين نصيب فى إدارة المشروعات وفى أرباحها ويلتزمون بتنمية الإنتاج والمحافظة على أدواته وتنفيذ خطته فى وحداتهم الإنتاجية، وفقاً للقانون.
ويكون تمثيل العمال فى مجالس إدارة وحدات القطاع العام فى حدود خمسين بالمائة من عدد الأعضاء المنتخبين فى هذه المجالس.. .. .. ».
وثمة ملاحظة شكلية تتعلق بأن النص تم نقله من دستور 1971 ولم يفطن من نقله إلى تغيير مسمى القطاع العام إلى قطاع الأعمال، وذلك بصدور القانون رقم 203 لسنة 1993 بشأن قطاع الأعمال العام. وهو الأمر الذى يؤكد عدم وجود تمثيل حقيقى للعمال فى الجمعية كما غيرهم من فئات المجتمع، وأن الأمر فى حقيقته كان تمثيل اتجاهات حزبية وسياسية أفسدت الجمعية وعملها فخرج هذا المسخ المشوه الذى يُعد بكل المقاييس إهانة للتاريخ الدستورى المصرى الذى تميز برصانته وجدته وريادته.
وهذا النص فى الحقيقة لا يحقق أى حماية للعمال، وفى ظله أُغلقت المصانع وشُرد العمال، ذلك أن نسبة المنتخبين فى مجالس الإدارة لم تكن أبداً مؤثرة فى اتخاذ القرارات، ولذلك كان وجود العمال كعدمه لا جدوى منه، وهو الأمر الذى أدى بالحكومة أن تتآمر بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان ودلالات فى الثلاثين سنة الأخيرة على مصانع وشركات القطاع العام وباعتها بثمن بخس وبفساد عظيم. والغريب أن القضاء المصرى العظيم ممثلاً فى مجلس الدولة قد أبطل كثيراً من هذه البيوع المشبوهة وأعاد كثيراً من هذه الشركات إلى الدولة، ولكن واأسفاه، فإن الحكومة تطعن على هذه الأحكام وترفض تسلم هذه الشركات، وهو تصرف غير مسئول، وإذا كان مقبولاً أن يحدث قبل الثورة فكيف يمكن قبوله بعد الثورة؟ فالحكومة الحالية ما زالت تطعن على هذه الأحكام وترفض تسلم الشركات بصورة غير مفهومة ولا مقبولة ولا مبررة.[Quote_3]
أما النص الثانى الخاص بالعمال فهو نص المادة 64 من المشروع، حيث تنص فى فقرتها الأخيرة على ما يلى:
«.. .. وتكفل الدولة حق كل عامل فى الأجر العادل والإجازات والتقاعد والتأمين الاجتماعى، والرعاية الصحية، والحماية ضد مخاطر العمل، وتوافر شروط السلامة المهنية فى أماكن العمل، وفقاً للدستور.
ولا يجوز فصل العامل إلا فى الحالات المنصوص عليها فى القانون. والإضراب السلمى حق، وينظمه القانون».
وهذا النص لم يتضمن التزام على الدولة وإنما جاء بلفظ يكفل، وهو لا يؤدى إلى معنى الالتزام الدستورى، فالدولة تكفل فى حدود طاقتها، وطاقتها هذه لم تتسع يوماً لحقوق العمال بل أكلتها لحماً ودماً وعظاماً، كما أن هذا النص لم يجعل للعامل حقاً فى الأجر المرتبط بتقلبات الأسعار بحيث يواكبها أو حتى يقترب منها، ولكنه نص على الأجر العادل وهو اصطلاح مبهم وغير محدد ولا يؤدى إلى إلزام دستورى محدد على الدولة والحكومة، وهو ذات النهج الذى كان دستور 1971 يتبعه، وأدى إلى ضياع حقوق العمال وبؤس حالهم وإفقارهم.
ثالثاً: خداع العمال والفلاحين فى نسبة الـ50%.
جرت المناقشات وما انعكس منها على المسودات التى أخرجتها الجمعية على إلغاء نسبة الـ50% لتمثيل العمال والفلاحين فى المجالس النيابية. والغريب أن هذا الإلغاء قد قررته الجمعية ولكن فى المقابل لم تفكر أبداً فى أى لحظة فى البحث عن طريقة تعوض بها العمال والفلاحين وتمثيلهم بصورة أو بأخرى، فكان يمكن مثلاً أن تطرح لهم تمثيلاً تعويضياً فى مجلس الشورى أو تحاول وضع إطار لتعريف العمال والفلاح بصورة منضبطة ولكن للأسف الشديد لم يكن ذلك فى جدول أعمالها أو اهتمامها. وجرت المناقشات فى الجمعية متجاهلة تماماً حقوق العمال والفلاحين مع إلغاء نسبتهم التى كانت قد تقررت منذ دستور 1964 والغريب أن الجمعية لم تتحدث حديثاً جدياً مع النقابات والاتحادات العمالية فى ذلك.
وفى اللحظات الأخيرة ظهر على مسرح الأحداث تطور عبثى مفاده أن السيد وزير القوى العاملة يفاوض الجمعية للإبقاء على نسبة الـ50% عمال وفلاحين. وبدأت التسريبات، وبدا الأمر وكأن الحزب والجماعة ووزيرها يريدون أن يحتووا العمال والفلاحين ويعيدوا إليهم نسبة الـ50% عند التصويت على المادة المتعلقة بذلك. زاد السيد رئيس الجمعية الأمر غموضاً وأجّل التصويت عليها لنهاية الجلسة التى امتدت إلى الخامسة صباحاً لعل الجميع يكون قد غالبه أو غلبه النوم حتى تلقى الجمعية بمفاجأتها بين النائمين حتى يتصورها كل على شاكلته فقد تكون للبعض حلماً وقد تكون للآخرين كابوساً.
ولكنها كانت فى الحقيقة استخفافاً بالعمال والفلاحين وازدراء لهم وتدليساً عليهم كما وصفها الأستاذ المستشار طارق البشرى فى مقاله بجريدة الشروق، إذ أعادت النسبة لدورة انتخابية واحدة وتوسعت فى تعريف العامل حتى شمل المصريين كلهم فكل من يعمل بأجر فهو عامل وهنا تكون المشكلة قد حُلت وفقاً لما رأته الجمعية وبه توهمت أنها ضمنت رضاء الفلاحين والعمال، وهى لم تدرك أن المصريين عامة قد تغيروا وبلغوا سن الرشد وكذلك عمالهم وفلاحيهم ومن ثم لا يصح الضحك عليهم أبداً.
ونكتفى بذلك لأن الجمعية بعد أن وضعت هذا النص (م236) أدركها الصباح فقد صاح لها الديك مراراً وتكراراً ولكنها لم تفطن إلى ذلك ولم تفطن أيضاًً إلى أن فجر الحرية ونسيمها قد ملأ صدور المصريين فانتفضوا من كل مكان رفضاً لمشروعها الكارثى.