«أمير» تعرّض للتعذيب بسبب اسمه.. و«ربيع» ترك تحويشة العمر
«أمير» تعرّض للتعذيب بسبب اسمه.. و«ربيع» ترك تحويشة العمر
فرحة فى صفوف أهالى قرية «ساقية داقوف» بالمنيا بعد عودة أبنائهم المحتجزين
مصير مجهول يلاحق الشباب المصرى خارج حدود بلاده، كان أكثره فداحة عندما ذُبح 21 شاباً مصرياً على يد تنظيم داعش، العام الماضى، ولم يمر مطلع العام الحالى حتى صحونا على خبر اختطاف 20 شاباً على يد الجماعات المسلحة فى ليبيا، الذين ظل مصيرهم معلقاً، لحين عودتهم مرة أخرى إلى الوطن، مساء أمس الأول، فقد نجحت السلطات المصرية، بالتنسيق مع الجانب الليبى فى إطلاق سراحهم وإعادتهم مرة أخرى.
الجماعات المسلحة هددتهم بالذبح للإدلاء بمعلومات عن الجيش المصرى.. والشباب: «مانعرفش حاجة».. و«باهى»: كانوا يُردّدون «مصر خاربة عليكم الدنيا»
20 عاملاً من شباب قرية «ساقية داقوف» التابعة لمركز سمالوط بالمنيا، توجّهوا إلى دولة ليبيا، رغبة فى الحصول على فرصة عمل أفضل، ومساعدة أسرهم الفقيرة، غير أن الصراعات المحتدمة بين الميليشيات المسلحة بالدولة الشقيقة، أوقعت هؤلاء فى يد الميليشيات، التى مارست معهم كل الضغوط ووسائل التعذيب والضرب، حتى يفصحوا عن أى معلومات تخص الجيش المصرى. وكانت الإجابة منهم جميعاً: «لا نعرف شيئاً».
داخل القرية، فور وصول المخطوفين، سجد «هيثم جمال»، 24 سنة، عامل بناء، على الأرض، قائلاً: «الحمد لله، بنشكر ربنا أننا رجعنا بالسلامة لأهالينا». يقول «هيثم» إنه توجّه إلى ليبيا قبل 4 أشهر، عن طريق الهجرة غير الشرعية بأحد الطرق فى الصحراء الغربية، كان يعمل مع المجموعة نفسها، التى تعرّضت للاختطاف فى منطقة «إجدابيا»، التى كانت تشتعل بالصراعات بين الميليشيات المسلحة، فطلب منه أبناء عمه فى منطقة «زلة» بجنوب شرق ليبيا، أن يعمل معهم، حفاظاً على حياتهم وحمايتهم من الخطر، قائلاً: «فى منطقة زلة كنا نقيم جميعاً فى مسكن واحد، وفوجئنا بمسلحين يهاجمون البيت علينا، وخطفونا إلى مكان مانعرفوش».
ويروى «هيثم» أنهم عصبوا أعينهم حتى وصلوا إلى منطقة غير معروفة، وكان بحوزته 9 آلاف جنيه تم الاستيلاء عليها، ومعها جميع متعلقاته وأوراقه الشخصية من قبَل المسلحين. وأثناء فترة الاحتجاز، طوال 20 يوماً، كانت لديهم «بطانية» واحدة لهم جميعاً، وتعرّضوا من قبَل المسلحين للضرب والتعذيب، ولم يكن لدى كل واحد منهم سوى رغيف خبز وقطعة جبن طوال اليوم. ويقول «باهى عبدالحميد»، الشاب العشرينى، الذى ينادونه باسم «أمير»، إنه لقى أذى كبيراً بسبب اسمه، نتيجة اعتقاد الجماعة المسلحة أنه زعيم هؤلاء الشباب، حيث تعرّض للضرب والتعذيب. قائلاً: «كانوا فاكرين أن اسم (أمير) ده معناه أن أنا الأمير بتاعهم، وفضلوا يعذّبوا فيا». ويروى «باهى» أنه تم احتجازهم داخل غرفة واحدة تحت الأرض، ولم يكن هناك شمس أو هواء، وكان أكثر ما يهم الجماعات المسلحة، هل لدينا معلومات عن الجيش وأسلحته، وهل سبق لنا التجنيد أم لا، وكانت الإجابة من الجميع: «مانعرفش حاجة»، وهو ما كان يدفعهم إلى مضاعفة التعذيب والضرب. وكانوا يُردّدون بين الحين والآخر عبارة «مصر خاربة عليكم الدنيا». ويوضح «باهى» أنهم عندما تأكدوا أنه لا توجد فائدة فى الحصول على أى معلومات منا، كان التنسيق وقتها بينهم وبين الجيش الليبى التابع لقوات «حفتر». وأضاف: «أول ما سمعنا أنه فيه احتمال لتسليمنا، فرحنا وماكناش مصدقين، وقتها عادت لينا الحياة مرة أخرى». ويقول «باهى» إنهم لم يخشوا من الموت، بقدر ما كانوا يخافون على أسرهم من الصدمة. وأوضح أنه فخور بما فعله الرئيس عبدالفتاح السيسى معهم، موجهاً التحية إلى الجيش الليبى واللواء خليفة حفتر، الذى كان له دور فى الحفاظ على أرواحهم وعودتهم سالمين إلى مصر.
ويقول ربيع أحمد على، 31 سنة، إنه كان يعمل فى ليبيا منذ 10 سنوات داخل أحد مجازر «الدجاج»، مضيفاً: «خرجنا من هنا علشان مفيش شغل، حتى فى الظروف الصعبة اللى فى ليبيا، لكن استحملنا علشان لقمة العيش». ويتابع: «سرقوا منا كل شىء، الفلوس وجوازات السفر». ويؤكد أن مشهد ذبح الشباب المصريين العام الماضى كان بمثابة شريط فيديو أمام أعينهم، كلما لحق بهم التعذيب أو الضرب من قبَل الجماعة المسلحة، خاصة أنهم كانوا يهدّدونهم بأنهم سيلقون المصير نفسه: «إحنا كنا بنموت من الرعب، وخايفين يدبحونا». ويستطرد: «لم نكن نتوقّع كل هذا الاهتمام من قبَل الحكومة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى استقبلنا فى المطار، وأمر أن يعطى لكل واحد منا ألفى جنيه. وقال لنا: «مصر بلدكم، وهتلاقوا إن شاء الله شغل فيها، وحمدا لله على سلامتكم».
«عمر»: أخدوا عرقنا فى الغربة.. لكن الرئيس قال لنا فى المطار: «ماينفعش تروحوا وإيديكم فاضية»
ويقول جمال عبدالباسط، الشاب العشرينى، عامل بناء، إنه طلب من الرئيس السيسى فور رؤيته فى المطار، أن يزور المنيا حتى يرى حال أبنائها ومدى الفقر الذى يعيشون فيه، وحاجتهم إلى العمل، حتى لا يجبروا على ترك بلدهم إلى بلاد أخرى غير مستقرة، وكان رد الرئيس عليه: «فى أقرب وقت، هاعمل ده إن شاء الله». ويروى «جمال» أنهم عاشوا أياماً صعبة داخل حاوية تحت الأرض، وكان الطعام الذى يُقدم لهم مجرد رغيف واحد فى اليوم، موضحاً أنهم كانوا يضعونهم داخل حفرة، ويطلقون عليهم الرصاص كنوع من الترهيب. ويضيف: «لم أرَ الشمس منذ يوم الاختطاف، حتى تدخّلت السلطات المصرية وبدأت المعاملة فى التحسُّن. واستطرد: «كان الخاطفون يجبروننا على الخروج من الحاوية، لنتعرّض للضرب بعد ربط أقدامنا».
ويروى حسن حامد سليمان، 28 عاماً، أيام الرعب التى قضاها، قائلاً: «كنا نايمين داخل الحوش، وجاءت جماعة مسلحة واختطفتنا فى منتصف الليل، وعذّبونا كتير، وكل اللى كان عليهم يسألونا عن الجيش فى مصر، وأسماء شخصيات عامة». «مش هارجع تانى حتى لو هاشحت فى شوارع مصر». هكذا كان يُردد «حسن»، الذى كان يعمل فى ليبيا بأحد مجازر الدجاج، نتيجة ما شاهده من ضرب وتعذيب طوال فترة الـ20 يوماً، موضحاً أنه طلب من الرئيس السيسى أثناء لقائه فى المطار، أن ينظر إلى الصعيد: «قلت للريس تعالى شوف الصعيد المعدوم، ومش لاقى لقمة عيش».
ويقول «عمر نصار»، 23 عاماً: «أخدوا منا تحويشة العمر»، لكن الرئيس السيسى قال لنا فى المطار: «ماينفعش تروّحوا وإيديكم فاضية»، وأعطوا لكل واحد منا ألفى جنيه. ويروى «عمر» أنه كان يعمل مبيض محارة، وكان يُدر دخلاً جيداً فى الشهر، قبل أن تهاجمهم الجماعات المسلحة، قائلاً: «أخدوا تحويشة أيام الغربة، ١٢ ألف جنيه». ويشيد «عمر» بما فعلته الدولة من أجل إعادتهم مرة أخرى إلى مصر، ولقاء الرئيس بنفسه معهم فى المطار، يقول إن أكثر ما كان يقلقه هو الخوف على أولاده الخمسة وزوجته، بعدما تركهم بحثاً عن فرصة عمل أفضل، يستطيع من خلالها أن ينفق عليهم ويعلمهم: «أنا اتغربت علشان أولادى يعيشوا كويس ويتعلموا كويس، وعندى ابن مريض بفيروس سى، ومحتاج علاج». فيما يقول عصام الدين طه، 46 سنة، والد أحد العائدين من ليبيا، إنه يشكر الرئيس وحكومته على ما بذلوه من جهد حتى يعود أبناؤهم مرة أخرى، موضحاً أن ابنه «جاسم»، سافر إلى ليبيا بعدما حصل على دبلوم الزراعة، حتى يستطيع الزواج، وبعدما تزوّج منذ عام ونصف العام، أنجب ابنته «جنى» وعاد مرة أخرى للعمل فى ليبيا، حتى يستطيع الإنفاق على زوجته وابنته: «قال لى أنا هاسافر عشان ألاقى شغل كويس، وأعرف أربى بنتى وأصرف على مراتى».
فرحة فى صفوف أهالى قرية «ساقية داقوف» بالمنيا بعد عودة أبنائهم المحتجزين