ننشر حيثيات حكم القضاء الإداري بإلزام "الداخلية" إلغاء تراخيص الأسلحة الممنوحة لجماعة الإخوان
ننشر حيثيات حكم القضاء الإداري بإلزام "الداخلية" إلغاء تراخيص الأسلحة الممنوحة لجماعة الإخوان
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى
أيدت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية "الدائرة الأولى بالبحيرة"، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاورى، نائبى رئيس مجلس الدولة، خلال جلسة اليوم الاثنين، قرار وزير الداخلية بتفويض مدير أمن البحيرة، بإلغاء ترخيص السلاح النارى الخاص بالقيادى الإخوانى الهارب جمال حشمت "مسدس وبندقية خرطوش"، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المدعى بالمصروفات.
وأكدت المحكمة إلزام وزارة الداخلية بإلغاء تراخيص الأسلحة الممنوحة 2012 لجماعات العنف ضد الشعب، وأن قرار رئيس الجمهورية عام 2012، أعفى سارقى الأسلحة وذخائرها للمنشآت الشرطية من العقاب، بينما قرار رئيس الجمهورية عام 2014، غلّظ العقوبة لمن يستخدم الأسلحة وذخائرها فى الأعمال الإرهابية حفاظا على الأمن القومى، وهناك فارق شاسع بين القرارات الجمهورية التى تهدف إلى حماية الوطن وتأمينه وبين أخرى تهدف إلى حماية صالح إرهابيين، والتاريخ لن يمحو أثره من وجدان الشعب المصرى.
وكانت وزارة الداخلية قدمت مستندات باستخدام جمال حشمت ومجموعته الأسلحة النارية فى العنف ضد الأهالى بدمنهور، عقب نجاح ثورة 30 يونيو 2013، وأنه إذا ما سعت وزارة الداخلية عن طريق وزير الداخلية أو من ينيبه عنه من مساعدى الوزير مديرى الأمن من إلغاء تراخيص الأسلحة للجماعات التى تستخدم العنف ضد المواطنين، وتتخذ من الإرهاب سبيلا للوصول إلى مآربها، فإن تصرفها فى هذا الشأن إنما يكون إعمالا لما ينص عليه الدستور من واجبها نحو تحقيق الأمن والطمأنينة للمواطنين والحفاظ على النظام العام.
وقالت المحكمة، إن انتشار الأسلحة واستخدامها فى أعمال العنف داخل المجتمع يهددان أمن وسلامة المواطنين وينال من تحقيق الاستقرار والتنمية، ذلك أن حمل وحيازة السلاح واستخدامه فى غير ما شُرع له لا يعود على المجتمع إلا بالشرور والمخاطر والآثام فضلا عما تؤدى إليه من الخراب والدمار والتناحر بين أبناء الوطن الواحد، وما من ريب فى أن العنف المرتبط باستخدام السلاح لترويع حياة الآمنين يشكل إساءة بالغة بما يهدد سلامة المواطنين وينال من استقرار البلاد ووحدتها، خاصة وأن المجتمعات التى تقوم بالثورات تحتاج الى استنهاض الهمم لتحقيق التنمية والتقدم والرخاء، مما يجيز لوزارة الداخلية إلغاء تلك التراخيص خاصة فى ظل محاربة الدولة لمظاهر الإرهاب وفرض سيادة القانون لتحقيق حق المواطنيين الدستورى فى الحياة الآمنة من كل خوف.
وأضافت المحكمة أن المشرع الدستورى جعل الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وألزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها باعتبارها من الحقوق الأساسية لكل إنسان، لذا ألزم الدولة بتوفير الأمن والاطمئنان للمواطنين، كما أناط بهيئة الشرطة أن تكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن والسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة لحماية المواطنين من كل خطر يهدد حياتهم أو عرضهم أو شرفهم أو حريتهم أو أموالهم، ومن مظاهر تنفيذ الدولة لهذا الالتزام القضاء ابتداء على ظاهرة حمل السلاح بدون ترخيص أو إلغاء الترخيص فى حالات استخدامه فى غير ما شرع له.
وذكرت المحكمة، أن قرار رئيس الجمهورية إبان تولي حزب الحرية والعدالة مقاليد الحكم رقم 90 لسنة 2012، تضمن شقين خطيرين الأول يحتوى على علة سبب الإعفاء من العقاب وغاية مشروعة، لكنها مستترة لما بعدها من غاية أخرى غير مشروعة، وتمثل الشق الأول أنه أعفى من العقاب كل من يحوز أو يحرز بغير ترخيص أسلحة نارية أو ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة الواردة فى الجدولين رقمي 2 و3 من هذا القانون، إذا قام بتسليم تلك الأسلحة والذخائر إلى أي مديرية أمن أو قسم أو مركز شرطة خلال 180 يوما تبدأ من سريان التعديل التشريعى، ومن ثم كانت علة الإعفاء من العقاب تتمثل فى تسليم تلك الأسلحة أو الذخائر، وأما الشق الثانى لهذا القرار وهى الغاية الحقيقية غير المشروعة التى سعى إليها هذا القرار الجمهورى، فقد تمثل فى الإعفاء كذلك من العقوبات المترتبة على سرقة الأسلحة أو الذخائر أو على إخفائها خلال تلك الفترة، فلا توجد له علة مشروعة للإعفاء من العقاب سوى حماية المجرمين سارقى الأسلحة النارية أو مخفيها، إذ أعفى كذلك من العقوبات المترتبة على سرقة الأسلحة أو الذخائر أو على إخفائها خلال تلك الفترة.
وأضافت المحكمة، بأن ذلك الإعفاء لا يقصد به إلا غسل يد الجماعات الإرهابية مما ارتكبته أثناء ثورة 25 يناير 2011 من جرائم التعدى على الأقسام والاستيلاء على الأسلحة والذخائر الأميرية منها ومن مخازنها، وهو ما يعد بحسب الأصل جناية طبقا لقانون العقوبات، وعلى الرغم من أن هذا القرار الجمهورى الصادر عام 2012 انتهت مدته من تلقاء نفسه بمرور 180 يوما على سريانه، إلا أنه فى شقه الثانى الذى صدر من أجله، يمثل انحرافا تشريعيا إذ خلا من ثمة غاية مشروعة تحمى المجتمع، وما كان يجب على رئيس الجمهورية آنذاك إصدار مثل هذا التشريع المخالف للدستور الذى تم وضعه 2012 الذى أرسى مبدأ حماية الأموال والممتلكات العامة، وما من ريب فى أن الأسلحة والذخائر الأميرية من أخص الأموال العامة التى يتعين الحفاظ عليها طبقا للدستور، ومن ثم يكون هذا القرار الجمهورى فى هذا الشق ليس له غاية إلا إفلات المجرمين من العقاب والذين قاموا بحسب نص القرار الجمهورى المذكور بسرقة الأسلحة أو الذخائر أو إخفائها خلال تلك الفترة، وهؤلاء ما يجب فى أى تشريع يصدر بشأنهم التخفيف عليهم بل تغليظ العقوية بشأنهم، لهول ما ارتكبوه من جرم بشأن التعدى على المنشآت الشرطية ومخازنها وسرقة أسلحتها وذخائرها الأميرية.
كما ذكرت المحكمة أنه وبعد أن قام الشعب المصرى بثورته الثانية فى 30 يونيو 2013 على نظام حكم الإخوان المسلمين، وبعد أن اختار الشعب رئيسا جديدا للبلاد بإرادتهم الحرة، أصدر رئيس الجمهورية قراره الجمهورى بالقانون رقم 128 لسنة 2014 بشأن تعديل قانون العقوبات المشار إليه عندما بات واقعا انتشار الأسلحة فى أيدى المتطرفين واستخدامها فى الأعمال الإرهابية لا سيما فى سيناء، بتغليظ العقاب على كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو ممن يعملون لمصلحتها أو من شخص طبيعي أو اعتباري أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أسلحة أو ذخائر أو ما فى حكمها بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام وجعل العقوبة السجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به، وتكون عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه إذا كان الجانى موظفًا عامًا أو مكلفًا بخدمة عامة أو ذا صفة نيابية عامة أو إذا ارتكب الجريمة فى زمن الحرب أو تنفيذًا لغرض إرهابى.
وغلّظ القرار الجمهورى العقوبة لمن يستخدم تلك الأسلحة فى الأعمال الإرهابية، وهو لا شك مسلك حميد ممن يتولى سلطة التشريع حينما يبتغى تحقيق الصالح العام فمثل هذه الجرائم تقتضى تشديد العقاب لمرتكبيها لحماية مصالح المجتمع وليس كما فعل القرار الجمهورى رقم 90 لسنة 2012 الذى انتهج إفلات المجرمين من العقاب وجعلها مكافاة على ارتكابها، ويبين بجلاء مما تقدم أن هناك فارقا شاسعا بين القرارات الجمهورية التى تهدف لحماية الوطن وتأمينه والحفاظ على ممتلكاته ومؤسساته وحياة مواطنيه وعدم التهاون مع من يعتدى على أى منها وبين القرارات الجمهورية الأخرى التى تهدف لحماية صالح جماعات من المجرمين ممن قاموا بسرقة الأسلحة والذخائر أو إخفائها فتعفيهم من العقاب بعد أن ارتكبوا أبشع الجرائم وقاموا بترويع الآمنين، ضاربا بصالح الوطن عرض الحائط وهو ما سيذكره التاريخ ولن يمحو أثره من وجدان الشعب المصرى.
وأضافت المحكمة، بأنه فضلا عن تشديد العقاب على النحو سالف الذكر على مرتكبى الجرائم الإرهابية باستخدام الأسلحة والذخائر فقد تم تضييق الخناق عليهم بالحيلولة دون تكرار التعدى على المنشآت الشرطية وزيادة تأمينها وحراستها حفاظا على السلاح الموجود بداخلها، فقد أصدر رئيس الجمهورية قرارا جمهوريا رقم 129 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر بحظر استيراد الأسلحة النارية وذخائرها إلا بعد موافقة وزارة الدفاع وتحديدها الكمية المسموح باستيرادها.
وذكرت المحكمة أنه إعمالا لكل ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أنه عقب قيام الشعب بثورة 25 يناير 2011 واعتلاء حزب الحرية والعدالة - جماعة الاخوان- سدة الحكم فى البلاد، تمكن العديد من المنتمين للجماعة وأنصارهم من الحصول على تراخيص بحمل الأسلحة النارية التى لم يستطيعوا الحصول عليها فى أية مرحلة من مراحل الدولة المصرية ومنهم المدعى، وآية ذلك أن المدعى كان عضوا بمجلس الشعب السابق للفصل التشريعى الثامن برقم عضوية 344 لسنة 2000 دورة 2000 ولم يثبت من الأوراق حصوله على ترخيص سلاح من وزارة الداخلية فى ذلك الوقت إلا أنه وبمناسبة إصدار رئيس الجمهورية آنذاك قراره الجمهورى رقم 432 لسنة 2012 فى 20 ديسمبر 2012 بتعيين المدعى عضوا بمجلس الشورى الذى كان قائما فى ذلك الوقت، فقد تقدم لمديرية أمن البحيرة بطلب للحصول على ترخيص سلاح نارى للدفاع عبارة عن مسدس وبندقية خرطوش، بموجب شهادة إخطار ووافق مدير الأمن على منحه ذلك الترخيص بتاريخ 6 مارس 2013 منحت وزارة الداخلية للمدعى ترخيصا بالسلاح، وإذ كان الثابت – وعلى نحو ما قررته وزارة الداخلية فى حافظة مستنداتها وهو ما لم يقدم المدعى ما يدحضه - أنه عقب ثورة الشعب فى 30 يونيه 2013 بعزل الرئيس السابق المنتمى لجماعة الإخوان أصدرت النيابة العامة فى القضية رقم 11152 لسنة 2013 جنايات قسم دمنهور أمرا بضبط وإحضار المدعى مع مجموعة أخرى من الجماعة لقيامهم عقب صلاة الجمعة الموفق 5 يوليو 2013 بحشد أعضاء الجماعة ومؤيديهم والذين أطلقوا عليها "جمعة الرفض"، مطالبين بإعادة الرئيس السابق المنتمى للجماعة رئيسا للبلاد، في ميدان إفلاقة بوجود تجمع كبير من أنصار الجماعة وحزب الحرية والعدالة أمام مسجد الهداية دائرة قسم دمنهور وقيامهم بإطلاق بعض الأعيرة النارية والخرطوش فى مواجهة أهالى المنطقة وحدوث تشابك بينهم وبين الأهالى، مما أثار الرعب والفزع فى نفوس أهالى المنطقة فانتقلت الشرطة مع قيادات مديرية الأمن وقوات الأمن المركزى لمحاولة الفصل بين أهالى المنطقة وأعضاء الاخوان، نجم عنه إصابة العديد من المواطنين بأعيرة نارية وخرطوش وإصابات أخرى.
كما ذكرت المحكمة أن الثابت بالأوراق أيضا – وعلى نحو ما حوته حافظة مستندات وزارة الداخلية كذلك – أن العديد من أنصار جماعة الإخوان ومنهم المدعى تواجدوا بمناطق ميدان الساعة وشارع الجمهورية وشارع عبد السلام الشاذلى وديوان عام محافظة البحيرة، لإثارة الرعب والفزع بين جموع المواطنين من أهالى المدينة وتعديهم على بعض المواطنين من المارة فى الطريق العام بالضرب وغلق كوبرى دمنهور العلوى من الناحيتين، وتعطيل حركة المرور بالشارع وإتلاف واجهات بعض المحلات والسيارات المارة بالطريق، وتمكنت قوات الشرطة من مواجهة تلك الأعمال الخارجة عن القانون، وتمكنت بمساعدة بعض الأهالى من ضبط 24 متهما من أعضاء تلك الجماعة، ولما كان الثابت بمذكرة مدير أمن البحيرة المؤرخة 16 يوليو 2013، قيام المدعى بالاشتراك فى أعمال العنف وإحداث تلك الفوضى والتعدى على الممتلكات العامة والخاصة وإصابة المواطنين بطلقات نارية وخرطوش، وهو ما أسفرت عنه تحريات إدارة البحث الجنائى عن صحة الواقعة وإعداد الأسلحة النارية والعصى والخوذ وغيرها من أدوات العدوان بمساعدة بعض الأشقياء المجرمين الخطرين على الأمن العام على نحو ما جاء بتلك التحريات، وتم العرض على النيابة العامة التى قررت حبس 24 من أعضاء الاخوان الذين تم ضبطهم أربعة أيام على ذمة التحقيق، كما قررت فى 8 يوليو 2013 ضبط وإحضار عدد من تلك الجماعة الهاربين ومنهم المدعى إلا أنه لم يقم بتسليم سلاحه حتى الآن ولم يمثل أمام جهة التحقيق الجنائى لإبداء أوجه دفاعه فى الاتهامات المنسوبة إليه فى تلك القضية وعلى نحو ما قررته وزارة الداخلية مما يعد خروجا منه على الحدود المقررة قانونا لاستخدام السلاح ومخالفة لشروط الترخيص، مما يتحقق معه استخدام السلاح فى غير ما شرع له.
|