«القوانين الاقتصادية» وتأخر صدور «الأحكام».. طريق «البراءة»
«القوانين الاقتصادية» وتأخر صدور «الأحكام».. طريق «البراءة»
حسين سالم - سامح فهمى
خلال السنوات الخمس الأخيرة كان ملف استرداد الأموال المصرية المهربة للخارج واحداً من أبرز ملفات الفساد التى فشلت كل المساعى والجهود المصرية للتوصل لنتيجة فيها. عشرات المليارات من الدولارات هربت خارج مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وخلال السنوات التالية لها عبر رموز نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك وأودعت فى حسابات لدى عدد من الدول الأوروبية، أبرزها سويسرا إضافة للأموال المودعة فى حسابات رجل الأعمال الهارب فى إسبانيا حسين سالم، وبجانب ملف الأموال المهربة للخارج يبقى ملف الفساد والاستيلاء على المال العام وأراضى الدولة بالداخل واحداً من أكبر ملفات الفساد التى تستنزف المال العام، ويرجع السبب الرئيسى فيها إلى أن حزمة القوانين الاقتصادية تذهب بهذه القضايا بعيداً عن الإدانة.
ورغم صدور أحكام قضائية فى عدد من قضايا الفساد التى اتهم فيها رموز نظام مبارك، وبينها قضايا أدين فيها مبارك نفسه ونجلاه علاء وجمال ووزراء عهده مثل حبيب العادلى وأحمد المغربى وزهير جرانة وأحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، فإن هذه الأحكام لم تكن كافية لاستعادة ما هُرب من أموال للخارج حتى الآن، وبقيت اللجان المشكلة من الحكومات المتعاقبة لمتابعة عمليات استرداد هذه الأموال بلا أثر يذكر، حتى أصدر رئيس الوزراء قراراً بتشكيل اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول المصرية المهربة للخارج، التى بدأت عملها بدراسة عمل اللجان السابقة لمحاولة الوصول لنتيجة فى عدم القدرة على استعادة الأموال المصرية بالخارج.
وقال مصدر قضائى مطلع على ملف الأموال المهربة وعمليات استردادها لـ«الوطن» إن عدم صدور أحكام نهائية ضد المتهمين فى تلك القضايا هو السبب الرئيسى فى صعوبة استرداد الأموال المهربة، إضافة إلى أن إجراءات استرداد الأموال بحكم القانون الدولى وقوانين الدول التى تم تهريب الأموال إليها معقدة للغاية وتحتاج إجراءات معينة لتنفيذ قرارات التحفظ على الأموال واستردادها، وأضاف المصدر، أن عدداً كبيراً من قضايا الفساد التى صدرت فيها أحكام قضائية بالإدانة فى مصر كانت غيابية، والدول التى تم تهريب هذه الأموال إليها لا تعترف بالأحكام الغيابية، وبالتالى فإن الجهود المصرية لاسترداد هذه الأموال تصطدم بعراقيل تتعلق بعدم الاستفادة من الأحكام الصادرة غيابياً قبل المتهمين فى قضايا الفساد، الأمر الذى يوقف عملية الاسترداد لحين إقناع الدول التى هربت إليها الأموال باستعادتها وهو ما لم يحدث حتى الآن.
اللجان الحكومية المتعاقبة لمتابعة استرداد الأموال المهربة بلا أثر حتى تشكيل «اللجنة القومية»
جانب آخر من قضية تهريب الأموال يتعلق بأن الدول الأجنبية تشترط متابعة ومراقبة عمليات المحاكمة للمتهمين بقضايا الفساد المطلوب استرداد أموالهم منها، والواقع المصرى شهد الكثير من التغيرات السياسية خلال الأعوام الماضية جعل تلك الدول تزيد من تعقيد إجراءاتها فى عمليات استرداد الأموال المهربة للخارج، إضافة للتعنت الشديد لتلك الدول فى بقاء تلك الأموال لديها وعدم إعادتها لمصر، نظراً لما تمثله من قيم استثمارية كبيرة لدى بنوكها ومؤسساتها المالية.
مصدر قضائى: عدم صدور أحكام نهائية ضد متهمين فى قضايا «الأموال المهربة» وراء عدم استردادها
وتعد أموال الرئيس الأسبق حسنى مبارك وأسرته ورجل الأعمال حسين سالم أكثر الأموال التى أثارت أزمات ملف استرداد الأموال المهربة للخارج، حيث أدين الرئيس الأسبق ونجلاه فى قضايا فساد وحصل على براءة فى إعادة المحاكمة فيها، كما أدين فى قضايا أخرى تتعلق بالفساد المالى من بينها قضية القصور الرئاسية، كما أن حسين سالم جرت محاكمته فى قضية تصدير الغاز لإسرائيل هو ووزير البترول الأسبق سامح فهمى. بجانب ملف الأموال المهربة للخارج يبقى ملف الفساد والاستيلاء على المال العام وأراضى الدولة بالداخل واحداً من أكبر ملفات الفساد التى تستنزف المال العام، ورغم الكشف عن العديد من القضايا المتهم فيها مسئولون وعاملون بالدولة فإن أغلب هذه القضايا يصطدم بأحكام البراءة عند عرضها على محاكم الجنايات.
قوانين الأراضى الصحراوية سمحت لرجال الأعمال بتملك مساحات كبيرة بأسعار زهيدة
أحد رؤساء محكمة الاستئناف التى نظرت هذه القضايا قال إن تعدد التشريعات التى صدرت فيما يتعلق بالمال العام والقوانين الاقتصادية خلال العشر سنوات الأخيرة تذهب بقضايا الفساد باتجاه البراءة، وأضاف أن قانون العقوبات المصرى يعد جيداً للغاية فيما يتعلق بقضايا المال العام وأحاطها بسياج من الرقابة والعقوبات، لكن حزمة القوانين الاقتصادية تذهب بهذه القضايا بعيداً عن الإدانة، وأشار إلى أن قانون قطاع الأعمال العام مثلاً أخرج جزءاً كبيراً من سيطرة الجهاز المركزى للمحاسبات على قطاعات كبيرة بشركات القطاع العام، حيث أجاز القانون وجود شراكة بين الشركات الخاصة وشركات القطاع العام، وأجاز أن تكون حصة شركات الدولة 25% وهى الحصة التى يسمح القانون فى حالة وجودها بعدم رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات على تلك الشركات، وأضاف أن القوانين المتعلقة بتملك الأراضى الصحراوية المملوكة للدولة سمحت بتملك رجال الأعمال مساحات كبيرة من الأراضى الصحراوية بأسعار زهيدة مقابل الاستثمار فى هذه الأراضى، لكنه لم يحدد حداً أقصى لتملك هذه الأراضى، وبالتالى أصبحت مساحات كبيرة منها فى يد مجموعة قليلة من رجال الأعمال، الأمر الذى فتح باباً واسعاً لقضايا الفساد المتعلق بهذه الأراضى لعدم تحقق مبدأ العدالة فى توزيع الأراضى، واختتم رئيس «الاستئناف» بالإشارة إلى ضرورة مراجعة حزمة القوانين المتعلقة بالاقتصاد والمال العام فى مصر حتى يمكن السيطرة على عمليات الاستيلاء على المال العام.