"ضباط الاتصالات والحركة والكهرباء".. الجنود المجهولون في المطار
"ضباط الاتصالات والحركة والكهرباء".. الجنود المجهولون في المطار
أرشيفية
على مساحة شاسعة تبتعد عن المدن، تشع نشاطا لا يهدأ حتى في ساعات الليل الساكنة، تبدو هادئة من الخارج، ولا تلتقط أعين زوارها من المسافرين سوى "عامل التذاكر، ومفتش الحقائب، والمضيفة، والطيار"، الذين يمثلون بالنسبة لهم رجال المطار، إلا أن هناك أعدادا غفيرة من الجنود المجهولين يسهمون بأشكال عدة لتسهيل رحلة المسافرين لوجهتهم وإقلاع الطائرة في سلام.
قبل أن تلامس عجلاتها أرض المطار بحمولتها الضخمة، وبنيانها القوي، عقب ساعات طويلة من التحليق في السماء، يبث الطيار رسالة إلى المطار المتجه إليه، ليحصل على إذن الهبوط، وهو ما يتولاه "ضابط الاتصالات الجوية"، الذي يختلف عمله عن "المراقب الجوي"، حيث يقوم بمراقبة الطائرات الموجودة خارج المجال الجوي المحلي.
في الوقت الذي يرصد فيه "هـ.م" ضابط الاتصالات الجوية بالمطار، طائرة تحلق بالمجال الجوي الخارجي، يجري اتصالا باللغة الإنجليزية مع قائدها عبر جهاز النداء الآلي بأحرفها الأربعة المحددة ومراجعة بياناتها وفقا لبرنامج الرحلات المتوافر لديه "بس ده معلوماته مش بتكون دقيقة زي ما بيكون الوضع قدامي من حيث الارتفاع والسرعة ووقت كل نقطة جوية"، ومن ثم يتواصل مع المراقب الجوي للحصول على إذن للطائرة بالهبوط في المحطة الأرضية.
حب العمل جعل "هـ.م" يعكف عليه طوال سبع سنوات متجاهلا إقامة مشروع آخر بجانبه، كحال عدد من زملائه، مكافحا لكل العقبات والأزمات التي تواجهه للمضي قدما والتميز به، ما يدفعه للتركيز الشديد به، واختيار العمل في الفترة الليلة التي تصل مدتها إلى 12 ساعة وما بها من زحام واستقبال العديد من الطائرات ومتجاهلا فترة العمل الصباحية البالغة 6 ساعات فقط.
"في مرة اتفاجئنا بطيارة إثيوبية بتقرب من المجال الجوي وملهاش أي معلومات عندنا، اتصلت بيها على طول لقينا أن 6 من ركابها اتعرضوا لتسمم".. ذلك الموقف احتاج من الشاب العشريني سرعة الحركة واتخاذ القرار والاتصال بقائد الطائرة لمعرفة سبب رغبته في الهبوط على الرغم من اتجاهه لدولة فرنسا، وبالفعل تم السماح له بذلك نظرا للحالة الطارئة حيث تواصل سريعا مع قسم الإسعاف داخل المطار لمتابعة حالة الركاب.
قبل إقلاع الطائرة من المطار، يسبقها العديد من العمليات للاطمئنان على سلامة أجهزتها وبنيانها يتم رفع تقارير بها إلى قائد الطائرة، من خلال قطاعا كبيرا من المهندسين والفنيين، من بينهم من يفحص كابينة الطيار، ومقاعد الركاب، والنظافة، وجناحي الطائرة، وأسلاكها التي يقوم بالاطمئنان عليها المهندس "محمد ناصر".
ناصر، خريج قسم الكهرباء لكلية الهندسة بجامعة القاهرة، حصل على دورة تدريبية في الأساسيات من إحدى شركات الطيران لمدة 6 أشهر، ما أهله للعمل في كهرباء الطائرات، وتحديدا كابينة القيادة التي يطمئن من حسن عملها ووصلاتها مع باقي الأجزاء داخل مركز الصيانة بالمطار، لينضم بدوره إلى قطاع كبير ممن يفحصون الطائرة قبل إقلاعها، فضلا عن متابعته للطائرات التي تهبط هبوطا اضطراريا.
"في مرة حصلت مشكلة بسبب طفاية الحريق في طيارة عملت هبوط اضطراري اللي في كابينة القائد ومعرفناش نصلحها، وجه كبير المهندسين يشوفها ففرقعت في وشه وكلفت الشركة 15 ألف جنيه".. يتذكر الشاب العشريني بمرح ذلك الحدث من بين العديد من المواقف التي تعرض لها ناصر في مدة عمله القصيرة بالمطار.
بعد فحص كهرباء الطائرة، لا تتمكن الطائرة من الإقلاع، إلا بعد أن يتم متابعتها مرة أخرى بشكل كامل من قبل "ضابط الحركة"، الشخص المسؤول عن كل ما يتعلق بالطائرة في حال وجودها على أرض المطار من خلال فحص ومراجعة خدمات الركاب وتحمل الطائرة وعدد الركاب ووحدة التحكم، والتي تختلف تبعا لنوع كل طائرة، ثم يتم رفع تقرير آخر بها للكابتن للسماح لها بالحركة.
"في شغلنا ده بنتعامل مع كل فئات الشعب من عمال النظافة للوزير، فبتكون محتاجة ذكاء في التعامل وكياسة وطول بال".. بهذه الكلمات يصف "م.ع" ضابط الحركة بالمطار، التي يجدها تحتاج لخبرة كبيرة في ذلك المجال، وذات أهمية كبيرة، إلا أن هناك العديدين يغفلون عنها ولا يدركون معناها.
الوزن الزائد مع الركاب.. هي المشكلة الأكبر والأكثر انتشارا لدى ضابط الحركة، حيث يجب ألا يزيد وزن الحقائب عن حمولة الطائرة، وهو ما يخلق جدالا كبيرا بين الركاب والعاملين في المطار.
وما أن تتم الطائرة كافة الفحوصات والمتابعات للتأكد من حسن سلامتها وصلاحيتها للحركة، لتحلق إلى وجهتها المنشودة، لتهبط بسلام في مطارا آخرا، أثناء رحلتها الطويلة، وهو ما يعرف بـ"ترانزيت"، حيث تستقبله لميس الخطيب داخل محطة المطار، لجلب الوجبة المتاحة لهم بالمطار، من خلال جوازات سفرهم والتأكد من إمكانية خروجه بعيدا عن المطار من خلال مراجعتها على النظام في المطار ومع مكتب الأمن القومي به.
ساعات طويلة تقضيها الشابة العشرينية داخل ساحات المطار، يجلعها تتخذ منه "منزلها الثاني"، الذي لا تود مفارقته، وتتطمح إلى الحصول فيه على وظائف أخرى لتكتسب مهارة أفضل كمضيفة الطيران التي تسعى للنجاح فيها.