تكتيكات «الدم»: الاعتماد على القناصة والانتحاريين.. والمدنيون «دروع بشرية»
تكتيكات «الدم»: الاعتماد على القناصة والانتحاريين.. والمدنيون «دروع بشرية»
كتيبة «الشيخ أبى إبراهيم» فى التنظيم تستعرض قواتها «صورة أرشيفية»
أسئلة عديدة تطرح نفسها بشأن التنظيم الإرهابى الذى يزعم كثيرون أنه ليس إلا مجموعات إرهابية تشن عمليات انتحارية ومعارك كر وفر تحت اسم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، لكن هذه التكتيكات وحدها لا تضمن الخلافة المزعومة، ولا حتى تفسر كيف تمكنوا من السيطرة على أراضى نفوذ وسيطرة تقارب مساحة إنجلترا، فليس من المنطق أن تحقق التكتيكات المعروفة لدى التنظيمات الإرهابية كل هذه الانتصارات والسيطرة على الأرض، ويفسره لنا عدد من الخبراء العسكريين وقادة على خط النار أمام «داعش» بأنه ليس تنظيماً عادياً بل يهاجم بتكتيكات تقليدية وغير تقليدية، وله مناطق نفوذ وأخرى مناطق سيطرة وكيف بلغت مرونته فى التعامل مع كافة تغيرات الأوضاع العسكرية طيلة عامين، وكيف أيضاًَ بدأ يطور من استراتيجيته بمهاجمة العدو البعيد ليهاجم عواصم أوروبية، فما بين تفخيخ وحرب خاطفة وبين عمليات «بقعة الزيت» التى تعتمد على التوسع ببطء داخل المدينة بعد إرسال مندوبيها ثم قواتها، حتى الدخول التقليدى واحتلال المدن بصورة عسكرية نظامية.
«الزيات»: تكتيكات التنظيم العسكرية «هجينة».. وهناك تطور خطير بمهاجمة العدو البعيد فى العواصم الأوروبية
من جهته يقول كاظم الجابرى قائد سرايا عاشوراء، التى تطوق قوات داعش من الجهة الغربية فى مدينة الفلوجة، إن التنظيم أرهق القوات العراقية منذ بدء توسعاته وإسقاط الموصل لكونه يستخدم تكتيكات عسكرية غير تقليدية وإرهاب المدنيين لعدم مساعدتنا على دخول المدينة أو إمدادنا بالمعلومات، مشيراً إلى أن قوات الحشد الشعبى استغرقت 4 شهور لكى يتمكن من فهم تكتيكات التنظيم الإرهابى والتعامل معه وصده، حيث أصبحت القوات العراقية الآن تستخدم أساليبهم فى الدفاع والهجوم لإرباكهم، من خلال زرع الألغام والمفخخات واستخدام واسع للقناصين، لافتاً إلى أنهم يعتمدون بشكل كبير جداً على القناصة والتفخيخ شديد الانفجار، حتى إنهم فخخوا المنازل بعد الرحيل منها كما حدث فى تحرير تكريت.
وتابع «الجابرى»: «هم يستخدمون أبشع الجرائم ضد من يقع فى يدهم فجعل هناك حالة من الرعب، ولكننا الآن نواجه جميع حيل التنظيم بمعدات عسكرية حديثة تمكننا من ضربهم وإيقاف تمددهم بل واستعادة الأراضى منهم مرة أخرى»، مشيراً إلى أن القوات العراقية والحشد الشعبى تستخدم عمليات التطويق فى تحرير المدن وإعطاء مهلة كافية للمدنيين بترك منازلهم ومدنهم ليتمكن الجيش من القصف والدخول والقتال دون أى ارتباك أو خوف على مدنيين، موضحاً أنه يستخدم الآن الكاميرات الحرارية فى كشف آليات وجنود التنظيم وكذلك استخدام صواريخ «كونيت» -صاروخ ضد الدروع والخراسانات مداه يصل إلى 5 كلم- إضافة إلى صاروخ محلى الصنع يدعى «اشتر»، وهو مداه 4 كيلومترات فقط وذو رأس تفجيرى شديد، وأن قواته تستخدم هذا الصاروخ لكونه مناسباً لمواجهة داعش واحتمائه بالمدنيين، لأنه إذا كان مداه أكبر سيصيب المدنيين الذين دائماً يوجدون خلفه.
قائد «سرايا عاشوراء»: «التنظيم» أرهقنا واستغرقنا 4 أشهر لفهم أساليبه العسكرية حتى نرد عليها
وكشف قائد سرايا عاشوراء، عن استخدام تنظيم داعش فى العراق المدنيين كدروع واقية فلا يسمح بخروجهم من المدن مثل ما يحدث الآن فى الأنبار يمنعون خروج الأهالى إلا فى حالات العلاج فقط ويتأكدون من عدم ادعائه المرض، لكى يحملوا القوات العراقية مزيداً من الأعباء فى دخول المدينة، لأنه يوجد بها الكثير من المدنيين، وتابع قائلاً: «نستخدم استراتيجية التطويق حالياً وأذكر أن داعش لا يمكن الصمود كثيراً فى الحصار لمدة أكثر من 4 ساعات وبعدها يترك المنزل أو المقر الذى يتحصن به ويهرب»، موضحاً أنهم يعتمدون بشكل كبير على التفخيخ والعمليات الانتحارية وأنه تم الهجوم على بيجى فى معركة التحرير الأخيرة بـ55 سيارة مفخخة كان يستقلها 150 من قواتهم، وأن سريته وحدها تعرضت منذ شهر رمضان الماضى لـ7 عمليات انتحارية لكنها تصدت لها وردت على العمليات وكبدت التنظيم خسائر فى صفوفه، وقال الجابرى: معركتنا مع داعش هى معركة وطن، وقد قدمت قواتى 95 شهيدا وأكثر من 400 جريح لتحرير مناطق سقطت بيد الإرهاب يسكنها إخواننا السنة فى محافظات غربية، ومعركتنا مع داعش وحدت العراقيين وجعلتهم فى خندق دفاعى واحد.
ويقول العميد صفوت الزيات الخبير العسكرى، أن «داعش» لا يمكن وصفه دائماً بكونه مجموعة إرهابية تقوم بحرب عصابات ومعارك كر وفر وتفجيرات مثل بقية التنظيمات الإرهابية والقاعدة، بل إنه تنظيم إرهابى كبير له مشروع يحتم عليه السيطرة على الأراضى وتوسيع الحدود، وهو بالفعل يسيطر على أراض مهمة وجزأين كبيرين من دولتى العراق وسوريا، مشيراً إلى أنه يمتلك أسلحة كبيرة ولكن ينقصه قطاعات استراتيجية مهمة فلا يقوى على مواجهة الطلعات الجوية لعدم امتلاكه أنظمة دفاع جوى متطورة ولا يمتلك طائرات يمكنه التحليق وطرد الطائرات المعادية كباقى الجيوش النظامية.
ويضيف «الزيات» أن التكتيكات العسكرية التى يستخدمها «داعش» هى تكتيكات هجينة ما بين حروب العصابات وبين العمليات العسكرية التقليدية وعمليات أخرى ترويعية لها بُعد معنوى فى نفوس العدو، موضحاً أن حرب العصابات يشنها وقت الارتداد والانسحاب من المدن التى كان يسيطر عليها، أما العمليات العسكرية التقليدية يستخدمها فى اقتحام المدن الحضارية وفيها يستخدم عمليات «الصدمة والرعب» عقب دخوله كل مدينة، لافتاً إلى أنه تنظيم مرن يتأقلم مع الظروف العسكرية المختلفة فى ترك الأراضى واستعادتها على فترات، مستدلاً بسقوط تكريت من قبضته وكانت مدينة حضارية هامة، ولكن بعدها بفترات قصيرة دخل الرمادى وسيطر عليها وهى لا تقل أهمية عن تكريت، موضحاً أن مرونته تظهر فى نقل مراكز قيادته ومعداته من مكان لآخر وفق الاحتياطات الأمنية لديه، ما يمنحه القدرة على المواصلة والاستمرار.
ويشير الخبير الاستراتيجى، إلى أن التنظيم طور من تكتيكاته فى مهاجمة العدو البعيد ومهاجمة العواصم الأوروبية كما كان يفعل تنظيم القاعدة فى مهاجمة الولايات المتحدة وشرق أفريقيا، كنتيجة للضربات الجوية والتحالفات الدولية ضده، موضحاً أننا أمام استراتيجية جديدة تمزج بين التكتيكات العسكرية التقليدية وتكتيكات حرب العصابات والمرونة والتكيف مع كافة الأوضاع العسكرية، متابعاً: «التنظيم الإرهابى لديه مشروع يتمسك به ويكلفه هذا التوسع نفقات باهظة، لكنه يحل الأزمة بالمرونة وترك الأرض واستعادتها مرة أخرى، مثل ما يحدث فى بيجى»، مضيفاً أن شعار التنظيم هو الإبحار والتمدد لمشروع كبير يدعوه للخلافة، ويقسم المناطق التى يسيطر عليها ما بين مناطق نفوذ ومناطق سيطرة، ومناطق النفوذ هى المناطق الحضارية ذات الكثافة السكانية العالية والأهمية الاقتصادية، أما مناطق السيطرة هى المدن كبيرة المساحة لتحقيق مبدأ التمدد والأرض.
من جهته قال اللواء دكتور ذكريا حسين، أستاذ العلوم الاستراتيجية والمدير السابق لأكاديمية ناصر العسكرية العليا، إن تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» هو تنظيم إرهابى العالم كله أقره بهذا المسمى، ما يعنى أنه مجموعة من المتطرفين الإرهابيين الغوغائيين وليسوا نظاميين، يعتمدون فى حروبهم على المدى الطويل على عكس الجيوش النظامية التى تنهى الحروب فى وقت قصير لكونها معارك واضحة لأنها قوات نظامية أمام قوات نظامية، مستشهداً بحرب أكتوبر عام 1973 بين الجيشين المصرى والإسرائيلى حيث أنهى الجيش الأمر فى غضون 3 أسابيع فقط.
ويضيف «حسين» أن أمريكا قامت بعمل تحالف لـ40 دولة ودخلت فى معارك لمدة 10 سنوات للقضاء على تنظيم القاعدة وقتل زعيمها والقضاء على هذه الآفة، مشيراً إلى أن الخلايا النائمة لهذه المجموعات الإرهابية لديها معتقدات بأن انتماءه لمؤسس جماعته يمنحه الجنة فى الآخرة ويعمل على تحقيق الأهداف التى يوكل بتحقيقها ولا ينظر إلى طبيعة الهدف المعلن وغير المعلن، موضحاً أن معاركها طويلة الأمد وإمدادها يقوم على انضمام مقاتلين جدد طوال الوقت، إضافة إلى دعم دول بعينها لهذا التنظيم بالسلاح والمال، متابعاً: «فيه دول بتدعم التنظيم بالسلاح، وبخلاف الدول فيه عناصر بتنضم ليه من كل الدول ومن أوروبا وحدها 25 ألف مقاتل بحسب تقديرات مراكز الدراسات العلمية من المؤسسات الكبرى فى بريطانيا وفرنسا وألمانيا».
وحول التكتيكات العسكرية التى يتبعها التنظيم، يشير أستاذ العلوم الاستراتيجية إلى أن التكتيكات العسكرية لديهم عبارة عن هجمات متفرقة تناسب الأسلحة التى يمتلكونها وتتغير من فترة لأخرى، ولكنها بشكل عام تعتمد على المدى الزمنى الطويل إلى جانب اختيار الأهداف السهلة والضعيفة، مع عمليات ترويع ترهب المدنيين والعسكريين، لافتاً إلى أن عمليات الذبح والحرق للمواطنين والجنود تخيف حتى الفرق العسكرية غير المدربة جيداً التى فرت أمام هجماتهم، وقامت بترك كل معداتها وكانت الفرقة تبلغ قوامها 30 ألف جندى ومسلحة بآليات عسكرية تتراوح قيمتها ما بين 20 و30 مليار دولار وتم محاكمة قادة هذه الفرقة بسبب الكارثة العسكرية التى تسببوا فيها.