وادى النطرون بعد السيول المدمرة: لا كهرباء ولا طعام ولا طرق
وادى النطرون بعد السيول المدمرة: لا كهرباء ولا طعام ولا طرق
السيول تغرق قرية عفونة بوادى النطرون
عادت قرى البحيرة قروناً عديدة إلى الوراء، لا كهرباء، لا صرف صحى، لا طرق، لا وسائل نقل، لم يتبق فى القرى المنكوبة سوى مياه السيول التى أغرقتها، فجرفت الأخضر واليابس فى طريقها، وتركت خلفها إما قتلى أو مشردين، فى أكبر كارثة من نوعها منذ السيول التى ضربت الصعيد فى عام 1994. قبل سنوات، كانت أراضى وادى النطرون هى الأمل بالنسبة لآلاف الأسر التى هجرت الوادى الضيق إلى أطرافه، لتحقيق حلم تحويل الأرض الصحراوية الصفراء إلى مزارع، فعمروها بالبيوت والقرى والمدن، لكن جاءت السيول لتمحو الأحلام فى طرفة عين، واستيقظ الأهالى ليجدوا أنفسهم عراة فى شوارع غارقة، ورغم حجم الكارثة التى لحقت بآلاف المزارعين، فإنهم لم يجدوا من المسئولين سوى البيروقراطية والإهمال، فتعاملوا مع الكارثة باعتبارها فرصة للظهور الإعلامى، دون تقديم مساعدات حقيقية للمتضررين، بما فى ذلك الامتناع عن المساعدة فى البحث عن جثث المفقودين، الذين ماتوا غرقاً أو جوعاً، بعدما حاصرتهم المياه داخل أراضى مشروع الـ36 ألف فدان فى قرية «عفونة»، التابعة لمركز وادى النطرون.
المياه تمحو معالم الـ«36 ألف فدان» بعد تجريف الطرق الفرعية وشبكات الرى.. واقتلاع أشجار الزيتون قبل أيام من موسم الحصاد.. ومزارع يخسر 700 طن بعد بيعها لتاجر
على مدار 3 أيام متواصلة، تحولت قرى ونجوع مركز وادى النطرون، إلى بحيرات صغيرة، فيما يواجه الأهالى المجهول، بعدما تحولت مزارعهم إلى خرائب، واختفت معالم قراهم، نتيجة اقتلاع السيول للطرق المؤدية إلى أراضيهم، ودُمرت الأشجار والمحاصيل، خاصة أشجار الزيتون، التى كان مقررً أن يبدأ حصادها خلال الأيام القليلة المقبلة.
«بيوتنا اتخربت.. والدولة واقفة تتفرج علينا من بعيد»، بهذه العبارة بدأ أحد سكان القرى المتضررة، مضيفاً «ألحقت الكارثة التى تعرضت لها قرى وادى النطرون خسائر فادحة لأصحاب المزارع، وفقد الآلاف من الشباب عملهم والجهد الذى بذلوه على مدار الأشهر الماضية، سواء عمال أو مهندسين زراعيين أو عمال بناء، وتحولت الأراضى التى زرعناها بعرقنا وجهدنا على مدار 16 عاماً، إلى رمال مرة أخرى».
وقال المزارع محمود الشيخ، «عندما سمعت عن طرح محافظة البحيرة لأراض للاستصلاح ضمن مشروع الـ36 ألف فدان فى مركز وادى النطرون، بعت الأرض الزراعية التى كنت أملكها، واشتريت بدلاً منها 10 أفدنة فى المشروع، وعكفت على استصلاحها طوال 16 عاماً، لم أدخر جهداً أو مالاً لزراعتها، وتعاونت مع مهندسين زراعيين وأساتذة فى كليات الزراعة، للوصول إلى أرض منتجة، وبسبب طبيعة الأرض المالحة، لم نزرع سوى محصولى الزيتون والرمان، ومن الدخل السنوى للمحاصيل طورنا الأرض، وبنينا منازل للعمال والخفراء، دون أن نطلب دعماً من الدولة طوال هذه السنوات، بل اعتمدنا على أنفسنا».
المزارعون يطلبون مساعدات الحكومة فى العثور على جثث ذويهم المفقودة.. والأهالى ينتقدون اتهامات نائب المحافظ لهم ببناء منازل عشوائية: ليس مبرراً للتخلى عنا
والتقط المزارع جمال الضيفى أطراف الحديث من زميله، قائلاً «لم نكن نتوقع أن تمطرنا نائب محافظ البحيرة، المهندسة نادية عبده، باتهامات لا أساس لها من الصحة، فخرجت بتصريح يدل على أنها لا تدرى طبيعة الأوضاع فى المنطقة، حيث قالت إن المنازل المنكوبة فى وادى النطرون عشوائية، ولم يتم بناؤها بالخرسانة المسلحة، ونحن نرد عليها بتأكيد أن هذه المنازل العشوائية التى تحدثت عنها، كانت ملاذاً للعمال وأصحاب المزارع طوال 16 عاماً، وجميع الطرق وشبكات الرى والكهرباء الموجودة بالمشروع تم إنشاؤها بمعرفة المواطنين».
وقال المزارع خيرى دياب، «لم نتلق العزاء فى الضحايا حتى الآن، وجميع الأسر محاصرة داخل منازلها، بسبب اختفاء معالم الطرق الفرعية من طريق مزرعة الأوائل، والمؤدية إلى منازل الأهالى هناك، ما منع أهالى الضحايا من الحضور إلى القرى لتلقى العزاء، وزاد حالة الحزن لدى الأسر المنكوبة، فيما تحولت المنطقة بالكامل إلى مدينة أشباح، بعد أن فقدنا مصدر الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى انتهاء مخزون المواد الغذائية، الذى كانت تعتمد عليه الأسر، وينذر ذلك بكارثة أكبر إذا استمرت الطرق دون إصلاح، خاصة بعد أن عجزت جهودنا الذاتية عن إصلاحها، وباءت جميع محاولاتنا لإزالة الرمال عن الطريق بالفشل، حيث غطت الرمال لودر تابعاً للأهالى، وفى مكان آخر اختفى جرار زراعى تحت الرمال، فامتنع الأهالى عن الاقتراب من الرمال أو الأراضى الزراعية».
وكشفت مديرة إدارة الإعلام فى شركة «وطنية» للدواجن عن حصار السيول لأكثر من 1850 عاملاً داخل الشركة، بعدما انقطعت الطرق المؤدية إليهم، فيما عجزت لوادر الوحدات المحلية وسيارات الجيش فى الوصول إليهم، ما يعانى منه مئات العمال الآخرين فى نفس المنطقة.