فى مشهد فريد، ولم يحدث من قبل، احتشدت جموع من المهاجرين من شعوب إيران غير الفارسية والهاربين من الإعدامات والملاحقات والاضطهادات والتجويع ومعهم جموع أخرى من المساندين من أبناء النمسا فى مظاهرة احتجاجية أمام المقر الدولى لمنظمة الطاقة النووية، مؤكدين أن السماح لإيران باستمرار برامجها النووية هو تشجيع على استمرارها فى تصفية الشعوب غير الفارسية، كما أنه محاولة لاتخاذ النووى الإيرانى سلاحاً لترويع السعودية ودول الخليج وإجبارها على الانضواء تحت مظلة الحماية الأمريكية وإنفاق مليارات على التسلح بما يعنى تحول جزء كبير من عائدات بترولها إلى خزائن مجمعات الأسلحة الأمريكية والأوروبية، وبما يعنى بالنسبة لنا ولهم التقليل من عملية التلاحم المصرى معهم واتخاذ الجيش المصرى بتسليحه المتطور سنداً لهم فى مواجهة الترويع الإيرانى، والتدخل الإيرانى فى أكثر من مكان (سوريا، العراق، غزة، اليمن، جيبوتى، إريتريا، إلخ).
وبهذا يُفتح من جديد ملف التصفية القاسية للشعوب غير الفارسية وفى مقدمتها شعب الأحواز أو «عربستان».
ونبدأ بفقرة من مذكرات الشاه رضا خان ونقرأ: «لقد فكرت كثيراً قبل إقدامى على اقتحام أكبر حاجز يفصل بين أرض فارس والعراق فوجدت أنه من الضرورى القضاء على أمير عربستان» (مصطفى النجار: التاريخ السياسى لإمارة عربستان العربية من 1896 وحتى 1925، ص: 223). ويشمل هذا الحاجز جبالاً شديدة الوعورة منها جبال زاجروس والباختيارى، كذلك كان الشاه الفارسى يطمع فى احتلال شاطئ الخليج بامتداد 800 كيلومتر وعمق 150 كيلومتراً هى أرض عربستان. وعربستان فضلاً عن موقعها الجغرافى الاستراتيجى تبلغ مساحتها 324 كيلومتراً مربعاً (تساوى مساحة سوريا ولبنان وفلسطين مجتمعة)، وهى أرض شديدة الخصوبة ترويها خمسة أنهار كبيرة، وتمتلك الآن نصف الموارد المائية للشرب والرى لإيران. وقد أقامت السلطة الإيرانية عشرين سداً لاحتجاز المياه وتوصيلها إلى الأراضى الإيرانية بينما تبقى عربستان دون مياه عذبة كافية، وتستخدم السدود فى توليد كهرباء لإضاءة إيران وتشغيل مصانعها بينما عربستان بلا إضاءة ولا مصانع، وفوق هذا تنتج عربستان 50% من قمح إيران و90% من تمورها و80% من البترول والغاز. أما السكان الذين يعيشون جميعاً تقريباً تحت الفقر فيفتقدون أبسط مقومات الحياة الإنسانية.
وطمعاً فى ذلك كله لجأ الشاه رضا خان فى عام 1925 إلى الإنجليز الذين اختطفوا حاكم عربستان الأمير خزعل وسلموه له فأعدمه، ثم فرض سيطرته بالقوة على عربستان التى قال عنها المؤرخ الإنجليزى لونفريك فى كتابه «أربعة قرون من تاريخ العراق»: «إن فى أراضيها المنبسطة والخصبة تستقر قبائل عربية تمتلك الأرض وتسيطر على الطرق وتفرض الضرائب على المواصلات النهرية، ويأتى القرن 19 والأحواز دولة عربية مستقلة قوية تحمى هى وحلفاؤها فى إمامة عمان منطقة الخليج العربى وتمنع الفرس والترك والإنجليز من أى تدخل». كما أن دولة فارس قد اعترفت باستقلال إمارة عربستان (الأحواز) بمرسوم ملكى فارسى صدر عام 1856 معترفة بإمارة الحاج جابر بن مراد ولأبنائه من بعده. والآن يمارس ملالى إيران اضطهاداً عرقياً ومذهبياً بشعاً ضد شعب الأحواز، فكل المناطق والقرى والأنهار والجبال ألغيت أسماؤها العربية وحلت محلها أسماء فارسية. وحتى السكان فُرضت عليهم أسماء محددة. ولدى مصالح الأحوال الشخصية فى الأحواز كتيبات تتضمّن أسماء يحظر السماح للمواليد بالتسمى بها ومنها أبوبكر وعمر وعثمان وعائشة، وهى ذات الأسماء التى قام الشيعة العراقيون بقتل من يتسمون بها. وثمة شخص سمَّى ابنه «صدام» فى زمن توافق إيرانى صدامى فلما وقع النزاع اعتُقل صدام وقُتل (!) وفى محاولة لمحو الهوية العربية فإن الملالى المتأسلمين يمنعون سكان الأحواز من تعلم اللغة العربية لغة القرآن أو التحدث بها، ويكون مريراً جداً أن يتعلم الأحوازيون اللغة العربية ويتحدثون بها سراً ومن يُضبط يُسجن. وربما كان ضرورياً أن نتوقف أمام كتاب «الخليج العربى» للمؤرخ الفرنسى جان جاك بيرسى، وفيه يتحدث عن عروبة الأحواز التى هاجرت إليها قبل الإسلام قبائل مالك وكليب واستقرت لزمن طويل، ومع الفتح الإسلامى عام 17 هجرية وقفوا مع الفاتحين العرب ضد حكم الهرمزان، (وبعد هذا الزمان يحاول الملالى محو عروبة الأحواز)، لكن المؤرخ الفرنسى يمنحنا مفارقة لافتة للنظر، إذ يقول «إن عربستان هى طرف الهلال الخصيب لإيران وطرفه الآخر لإسرائيل». وتبقى مفارقة أخرى وهى أن جدول أعمال القمة العربية المنعقدة فى القاهرة 1964 تضمّن قضية الأحواز العربية وتقرر مساندتها مساندة كاملة فى الحصول على حقوقها كما تقرر أن تتضمن المناهج المدرسية العربية وبرامج الإعلام العربية موضوعات عن عروبة الأحواز، لكن هذه القرارات التى اتُخذت لأهداف سياسية لم تُنفذ لأهداف سياسية كذلك.
وينفرد الملالى بشعب عربستان ليمارسوا ضده أبشع أنواع الاستعباد والظلم والقهر.. دون معارضة من أحد. فهل هذا لائق؟
ولم تتصاعد وحشية الملالى عبر الاتفاق النووى، وصمت العالم على جرائمهم ضد الشعوب غير الفارسية وحدها، وإنما تصاعدت ضد الشعب الإيرانى نفسه، فقد أكد أميرى مقدمى، مؤسس منظمة «حقوق إنسان إيران»، أن الإرهاب الحكومى تصاعد استناداً إلى صمت الغرب، وأن عمليات الإعدام تزايدت لتصل تقريباً إلى ثلاثة كل يوم.
وتختفى المزاعم الديمقراطية الغربية الموجهة.