فلاحو بحرى: «استلفنا وزرعنا ومش لاقيين اللى يشترى»
فلاحو بحرى: «استلفنا وزرعنا ومش لاقيين اللى يشترى»
ارتفاع أجرة عمال جمع القطن أزمة جديدة تواجه المزارعين
«الفلاحين بقوا يزرعوا القطن إفلاس عشان مافيش بديل قدامهم، كل زرعة بتتكلف شىء وشويات، ووقت جمع المحصول مابتجيبش حاجة غير الحسرة للى زرعها»، يقول لها علاء السبع، أحد أبناء قرية جنزور التابعة لمركز بركة السبع، بمحافظة المنوفية، يشير إلى انعدام الاستفادة من زراعة القطن، اللهم إلا تحسين التربة الزراعية وتسويتها، خاصة مع تكلفة جمع القطن التى يقول «علاء» إنها تعادل قيمة إنتاجه، حيث يحصل العامل على يومية قدرها 50 جنيهاً، وهو ما جعل علاء يدفع مبلغ 1350 جنيهاً للعمال، نظير جمعهم قنطارى قطن من 13 قيراطاً يملكها، لن يزيد ثمنها عند البيع على 1600 جنيه، بخلاف ثمن البذور والرى والحرث وخدمة 5 أشهر كاملة.
تكلفة «الجمع» تفوق قيمة «الإنتاج».. ونضطر لزراعته بسبب «الإفلاس».. وبذرة «مضروبة» أفسدت المحصول
يشتعل غضب «علاء» أكثر حينما يصله خطاب رسمى عبر البريد يتضمّن مطالبة من الحكومة بتسديد مبلغ 500 جنيه قيمة مراعاة الجمعية الزراعية لمحصوله «الحكومة باعتة لى عاوزة منى 500 جنيه بدل خدمة ماحصلتش، ولما روحت أستفسر فى الجمعية الزراعية المدير طلع لى جواب مبعوت له بيطالبوه بدفع المبلغ نفسه عن حتة أرض زارعها قطن، فأخدت بعضى ومشيت»، ما يشعل غضب «علاء» أنه لم يرَ أى شخص تابع لوزارة الزراعة طوال مدة زراعة القطن، لكنه مجبر، كما يقول، على تسديد المبلغ المطلوب، بسبب تهديد المشرفين له بوقف صرف «الكيماوى».
إعلان الحكومة، للعام الثالث على التوالى، عدم تسلم محصول القطن من المزارعين، وانتهاج تجار السوق السودة نفس أسلوب الحكومة، أكثر ما يُقلق «السبع»، حيث إنه سوف يقوم بتخزين محصوله داخل منزله لحين إعلان أى جهة تسلمه ولو بنصف الثمن، على أن تكون هذه المرة هى الأخيرة فى قيامه بزراعة أرضه بالقطن، على حد تعبيره.
أما محمد الحبشى، 64 عاماً، من قرية كفر الأكرم التابعة لمركز قويسنا بمحافظة المنوفية، فقرر ترك محصول القطن دون حصاد، لحين وضوح الرؤية له، وإعلان إحدى الجهات تسلمه وتحديد سعره، نظراً إلى أنه سوف يستدين من أحد الأشخاص القريبين منه حتى يتمكن من جمع محصوله، على أن يقوم بسداد الدين بعد بيع القطن، مثلما يفعل كل عام، فيقول: «مش معايا أجمع القطن، مطلوب منى 2000 جنيه على الأقل أجرة العمال، أجيبهم منين، وحتى لو استلفتهم من حد، هسددهم منين طالما القطن مش هيتباع»، لذا قرر «الحبشى» عدم الاستعانة بعمال جمع القطن، والقيام بتلك المهمة مع أبنائه الأربعة وأولادهم: «كل يوم آخر النهار هتشمى فى الغيط، واللوزة اللى هلاقيها مفتحة، هلمها وخلاص، عشان مايبقاش موت وخراب ديار».
محصول القطن كان بمثابة طوق النجاة للفلاحين على مدار الأعوام الماضية من وجهة نظر «الحبشى»، حيث كان يتم الاعتماد على ثمنه فى دفع إيجار الأرض، وسداد الديون المتعلقة بجميع أفراد الأسرة، والبعض كان يقوم ببناء منزله أو تزويج أبنائه من ثمن بيعه، وهو ما اختلف خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث أصبح المحصول عبئاً على زارعيه، نظراً لأن تكلفة زراعته أصبح الفلاح يتحملها كاملة، بعد أن كانت الجمعيات الزراعية تتحمّل جزءاً كبيراً منها وتقوم بخصم ثمنها عند شرائه من المزارع، بالإضافة إلى ارتفاع أجرة عمال الجمع، وفى نهاية كل ذلك يأخذ الفلاح أكياس القطن ليضعها فى منزله دون فائدة، نتيجة رفض الحكومة تسلمه من المزارعين، أو على الأقل تحديد سعره لكى ينشط تجار السوق السوداء.
أجساد هزيلة، تحمل وجوهاً شاحبة، تغطيها قبعات من القماش الأبيض تحارب الشمس لمنع وصول أشعتها الحارقة إلى بشرتها التى ازدادت سمرة، ينتشر عمال جمع القطن داخل مساحات واسعة مخضرة، تتزين بقمم بيضاء وترتفع فوق عيدان من الحطب بنية اللون، لجنى محصول القطن من أمام صاحب الأرض الذى يطالبهم بسرعة العمل «عشان يحللوا يوميتهم».
«علاء»: الدولة عاوزة 500 جنيه بدل خدمة محصول رافضة تشتريه و«الحبشى»: رفضت حصاد المحصول لحين إعلان جهة مسئوليتها عنه
أمام غرفة صغيرة مبنية بالطوب اللبن، أسفل ظل شجرة كبيرة تتدلى غصونها لتلاصق الأرض، جلس محمد هندى، مزارع من أبناء قرية شوبر التابعة لمركز مدينة طنطا بمحافظة الغربية، يمتدح جرأته فى التخلص من «زرعة» القطن التى وصفها بأنها كانت ستتسبب فى «خراب بيته»، والتى تخلص منها بتقطيعها قبل شهرين وتقديمها كطعام لمواشيه نتيجة شرائه بذرة قطن وصفها بـ«المضروبة» تسببت فى فساد محصوله، حيث يقول: «فوجئت بشجر القطن، عمال يطول لدرجة إنى بقيت أتوه جواه، من غير ما يطلع لوز، وكل ما أسأل تاجر عن السعر اللى هيشترى بيه القطن، يقولى إنه مش هياخده، قلت أخلص منه وأكله للبهايم على أنه درة وخلاص»، قام بعدها بزراعة الـ10 قراريط التى امتلكها بمحصول الملوخية الذى وصفه بأنه سريع، ولن يكلفه شيئاً، لكنه فى الوقت نفسه سوف يكون مصدر دخل له بعد أسابيع قليلة من زراعته.
وأضاف «هندى»، 53 عاماً: «الفلاح أصبح ضحية قرارات المسئولين غير المحسوبة، التى تزيد من التضييق عليه، مستغلة عدم إمكانية إضراب المزارع أو رفضه العمل»، وتساءل: «طالما أن الحكومة لن تشترى القطن من المزارعين، لماذا وافقت على زراعته من البداية؟، ولماذا تطالبنا بتسديد مبالغ مالية لها مقابل مرور المشرفين على الأراضى المزروعة؟، خاصة فى ظل عدم وجود منفذ آخر نستطيع بيع القطن فيه، بعد رفض الكثير من تجار السوق السوداء جمعه، خوفاً من تسعيرة الحكومة التى قد تتسبب فى خراب بيوتهم، إذا ما جاءت بسعر أقل من الذى دفعوه للفلاحين».
ما يقرب من قنطار واحد، حصيلة مساحة 13 قيراطاً مزروعة بالقطن، جعلت أسامة محمود، أحد أبناء قرية كفر أبوجبل التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، يفكر فى عدة طرق لسداد ديونه التى استدانها من أجل استكمال زرعته، بعد أن قدّر القيمة المالية لمحصوله بمبلغ 850 جنيهاً فقط، والتى لن تعوض ثمن الرى فقط، لذا فكر فى بيع إحدى مواشيه الثلاث التى يعتمد عليها بشكل رئيسى فى الإنفاق على أسرته المكونة من ثلاثة أبناء وزوجته ووالديه، أو بيع محصول الذرة الناتج عن 15 قيراطاً يزرعها بالإيجار، أو الاتجاه للاستدانة من شخص آخر.
«دى تالت سنة أزرع فيها قطن، ويخيب معايا ومايلمش فلوسه ويفضل محطوط فى وسط الدار بالشهر والاتنين، وكل مرة بعد ما أبيعه وأخلص منه أقول توبة، ورغم كده بزرعة تانى»، يقول الشاب الثلاثينى. غياب المحاصيل البديلة، وقلة إنتاجية المحاصيل المتاح زراعتها، أكثر ما يجبر «محمود» على زراعة القطن، فى ظل أحاديث المسئولين الكثيرة كل عام، التى وصفها بأنها للاستهلاك الإعلامى فقط، والتى تتحدث عن تحسين الخدمات الحكومية الموجهة لزارعى القطن، والعمل على رفع سعره حتى يتمكن المزارع من تحقيق ربح، مع توفير كل الخدمات الخاصة به داخل الجمعيات الزراعية.
«الحبشى» ترك محصوله دون حصاد لحين إعلان جهة تسلمه