تأميم قناة السويس.. قرار الزعيم "ناصر" الذي أغضب الغرب
"قرار رئيس الجمهورية تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، شركة مساهمة مصرية".. كلمات نارية أطلقها الرئيس جمال عبد الناصر وسط الجماهير الغفيرة بميدان المنشية في الإسكندرية، يوم 26 يوليو 1956، معلنًا تأميم شركة قناة السويس، القرار الذي استقبله المصريون باحتفاء كبير في كل ميادين الجمهورية، وكان بمثابة طلقة نارية قتلت دول الغرب.
في يوم 27 يوليو 1956، بات العالم غير الذي قبله بساعات قليلة، والتي أعلن فيها جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، فعواصم العالم الكبرى مشغولة برد الفعل على هذه الخطوة التي علق عليها أنتونى إيدن، رئيس الوزراء البريطاني، غاضبًا من عبدالناصر: "لقد ذهب بعيدًا. لقد فقد صوابه، ولا بد أن نعيده إليه"، وقال في اجتماع مجلس الوزراء الذي عُقد لمناقشة ما حدث: "أيها السادة، إنكم علمتم ما حدث في مصر، إن المصري قد وضع إصبعه على قصبتنا الهوائية، ويجب أن لا نكتفي برفع إصبعه عن رقبتنا، ولكن يتعين علينا أن نقطع يده".
عندما أعلن "ناصر" قرار التأميم، هاجمت وسائل الإعلام البريطانية الزعيم الراحل، وشبهته بـ"هتلر" و"ستالين"، كما اعتاد أن يشبهه رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت، وطالبت بضرورة التصدي له وتحجيمه قبل أن يزداد خطره.
قرار التأميم استقبله "إيدن" حينما كان في ضيافة الملك فيصل، ملك العراق، حيث كان في زيارة إلى العراق، ومعه الأمير عبدالإله، ولي العهد العراقي، ونوري السعيد، رئيس الوزراء العراقي، وحينما أعلن عبد الناصر قرار تأميم القناة، دخل أحد رجاله القاعة حاملًا ورقة صغيرة بها الخبر "المشؤوم" بالنسبة له، حتى امتقع وجهه، ما دفع الملك فيصل لسؤاله عما يحدث، ليرد قائلًا: "أمم ناصر شركة قناة السويس، واستولى على القناة"، حسبما ذكر الكاتب فتحي رزق في كتاب "قناة السويس الموقع والتاريخ".
ونظرًا لأن بريطانيا كانت أكثر المتضررين من قرار تأميم القناة؛ لأنها كانت تمتلك 45% من أسهم القناة، بالإضافة إلى أن ثلاثة أرباع النفط البريطاني يمر بالقناة، وكانت السفن البريطانية المستخدمة للقناة تمثل ثلث السفن العابرة، فبدأت بريطانيا في التفكير لإسقاط جمال عبد الناصر.
تبلورت خطة بريطانيا في إسقاط عبد الناصر من خلال فرض العقوبات الاقتصادية على مصر، وتجميد الأرصدة المصرية لديها، والتي كانت تبلغ في ذلك الوقت 113 مليون جنيه أسترليني، ومنعت شحن البضائع لمصر، كما فرضت الرقابة على جميع حسابات البنوك المصرية فيها، وفقًا لكتاب "أزمة السويس" للدكتورة لطيفة محمد سالم.
ولم تقف ردة فعل قرار تأميم القناة عند بريطانيا فقط، حيث امتد الأمر إلى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، فتضامنت فرنسا مع بريطانيا من خلال رفضها دفع رسوم عبور القناة، أما الولايات المتحدة أصدرت قرارًا بتجميد أرصدة مصر لديها، كما حاولت حكومات البلدان الثلاثة الضغط على مصر وتهديدها باستخدام القوة، بالإضافة إلى ضغطها اقتصاديًا على مصر، ثم وجهت بريطانيا الدعوة إلى 23 دولة لحضور مؤتمر لندن في 16 أغسطس 1956، وأعلنت فرنسا وبريطانيا تعبئة الاحتياطي، وأذيع رسميًا تحرك قواتهما وأساطيلهما.
بدأت الدول المتضررة من قرار التأميم التفكير في مقاطعة القناة، وتحويل سفنهم إلى طريق رأس الرجاء الصالح، واستخدام الطائرات بين أوروبا والشرق، وحفر قناة بديلة في إسرائيل تربط خليج العقبة بالبحر الأبيض المتوسط، وإنشاء خطوط أنابيب لنقل البترول من الشرق لأوروبا.
ومن جانبه، هاجم "منزيس"، رئيس وزراء أستراليا، قرار التأميم، مؤكدًا أنه يخالف القانون، وقال: "إن ترك مصالحنا الحيوية لنزوة إنسان واحد سيكون انتحارًا، إننا لا نستطيع أن نوافق على ما قام به ناصر"، أما رئيس وزراء نيوزيلندا فقال: "أينما تقف بريطانيا فنحن نقف، وأينما تذهب فنحن نذهب في الأوقات الطيبة والأوقات العصيبة".
أما موقف الاتحاد السوفيتي من التأميم فكان الترحيب والتأييد، وأكد "خروشوف"، رئيس الاتحاد السوفيتي وقتها، أن مصر لم تخالف القانون الدولي، وإذا كان الغرب يطالب بإدارة دولية لقناة السويس لأن دولًا كثيرة تستخدمها، فلماذا لا ينطبق هذا على قناة "بنما" وقناة "كييل" ومضيق "الدردنيل"، كما وعدت إيطاليا بتأييد مصر، واعترفت ألمانيا الغربية في بداية الأمر بمشروعية التأميم إلا أنها عدلت عن ذلك بعد ضغط أوروبي.