شاهد على حفر "القناة الجديدة".. عم مبروك: أنا حارس الكراكات
بسمرة وجهه وشعره الأشعث وجسده الضخم، ورمال الصحراء تغطى بشرته الجنوبية، يجلس مبروك صالح أمام غرفته الخشبية، على شط قناة السويس الجديدة، يتابع حركة السفن العملاقة التى تمر فى القناة، فالرجل شاهد عيان على تلك الأرض التى تحولت من رمال إلى مجرى مائى فى عام واحد، منذ نقله من مقر عمله فى «بورسعيد» إلى موقع قناة السويس الجديدة، ليكون حارساً على «الكراكات» والمعدات الثقيلة التى تسابق الزمن لتنهى العمل قبل الموعد المحدد.
على تبة رملية، تستقر غرفة «عم مبروك»، كركون حديدى مبطن بألواح من الخشب، وداخله يستقر سرير متواضع، وعدد من الأغطية وفراش رث لا يليق ببرد الشتاء القارس، وضعت الغرفة بحيث تكون مواجهة لموضع المعدات، وعلى كرسى خشبى متهالك يجلس «عم مبروك» أمامها، عينه لا تغيب عن تلك المعدات المستقرة على مقربة منه، ووجهه دائماً يتطلع إلى شط القناة، التى تحولت أمام عينيه بين ليلة وضحاها من منطقة جبلية رملية وعرة إلى مجرى مائى تمر به السفن.[FirstQuote]
عشر سنوات هى عمر عمل «عم مبروك» فى حراسة المعدات بمشروعات هيئة القناة: «طول ما فيه معدات أنا موجود»، فالرجل لا يبرح موضعه، حتى تنتهى كل عمليات الحفر فى موقع عمله المحدّد له: «اتنقلت خلال الحفر ما بين خمسة مواقع، حتى استقريت أخيراً بجوار موقع معدية الفردان، أتابع عملية تدبيش العمال لشط القناة». مهمة الرجل الأربعينى لم تكن سهلة، كم مهول من العربات واللودرات ومعدات الحفل هو وحده المسئول عن حمايتها، لا يحمل سلاحاً، ولا أى وسيلة تأمين، ساعده وبعض الأخشاب فقط، ولا يجد فى ذلك صعوبة، رغم بُعد أقرب كمين للقوات المسلحة عنه بأكثر من خمسة كيلومترات، لكن الرجل اعتاد على العمل فى ظل تلك الظروف الصعبة.
منذ بداية عمل «عم مبروك» بهيئة قناة السويس للموانئ، قبل عشرة أعوام، ومع كل مشروع يكون أول الموجودين، يحضر غرفته وفرشته، ليعيش فى المكان منذ بداية المشروع حتى نهايته، يتابع المعدات، يعرف أنها مسئولية جسيمة، وعليه أن يتحملها، فهى مهنته التى لم يجد غيرها: «الكل بياخد إجازة، بس أنا ماينفعش آخد زيهم»، يقول «عم مبروك»، ويشير بزهو شديد إلى المعدات التى تركها العاملون والمقاولون خلال إجازة العيد، وعادوا بعدها ليستكملوا العمل، فلا يجدون شيئاً ناقصاً: «محدش قدر يسرق حتى عجلة، طول ما أنا قاعد هنا».
للمرة الأولى، يستقر بـ«عم مبروك» الحال لحراسة معدات الشركة على شط القناة مباشرة، أصبحت لا تبعد عنه سوى أمتار، يتابع عن كثب ما يمر بها من سفن، وحين مرت أولى السفن فيها، وقف مهللاً: «حسيت كأنى أتولد لى ولد»، ويملأه شعور بأنه شارك فى بناء مشروع لأولاده، وترك لهم ميراثاً سيحميهم طوال عمرهم، هم وأولادهم.