م الآخر| "عبيد" في زمن المواطنة
لم تكن العبودية ظرفًا تاريخيًا يتعرض له شخوص بعينهم.. بقدر ما هي حالة "ثقافية" حادة تعبِّر عن "ذهنية" أنظمة حاكمة، فشلت بشكل كبير في إدارة مجتمعاتها بطرق ديمقراطية رشيدة.. وتعبِّر كذلك عن شعوب فقدت "الثقة" فى قدرتها على تغيير أوضاعها.
كما فشلت بشكل قاطع فى تطوير ذواتها للتغلب على وَلَّه السلطة، الذى أصاب الحُكَام حتى وصل بهم أحياناً إلى الجنون ..!! ويظل حق البقاء على قيد الحياة هو الحق الأول للإنسان فى كل كتب السماء، ولم تخلُ الاتفاقيات الدولية من نص يثبت هذا الحق، ويجعل له الأولوية، خاصة عندما يُقرِنَه بالحق فى عيشة آمنة .. ولعل ذلك هو ما جعل المصريين القدامى يسبحون بحمد الحاكم ويرفعونه إلى مصاف الآلهة .. باعتباره المسؤول الأول عن تنظيم حياتهم اليومية وتحقيق العدل فى الانتفاع بخير الأرض .. فإذا ما تمكن الحاكم من تطبيق العدل "ألَّهُوُه".. وإذا ما فشل "أسقطوه" فيرحل ولسان حاله يقول:" أُعطِيتُ ملكاً فلم أُحسِن سياسته.. وَمَن لم يسوسُ المُلكَ يخلعه.."!!
ومن هنا فقد كانت الثورة هى وسيلة الشعوب للانقلاب على ذهنية الحاكم المستبدة التى وضعت قوانين تقسم الناس قسرا إلى سادة وعبيد.. فمعظم الثورات التى نجحت هى تلك التى ثارت فيها الشعوب انتقاما لـ"كرامتها" المسلوبة ضد حفنة "المتسلطين" الذين استباحوا مأكلهم ومشربهم وحتى دمائهم.. لقد نجحت الثورات التى طالب فيها الثوار بالعزة للجميع وليس لطائفة بعينها وحلموا بمجتمع جديد لا يفرق بين قاضٍ و"زبال".. بمجتمع مهما اختلفت فيه وظائف البشر وتباينت، ظلت كرامتهم محفوظة، وحقهم وحق أبنائهم فى تغيير أوضاعهم مكفول، لا يستطيع مستبد أن يسلبه.. وإن لم تفطن الحكومات إلى خطورة هذا الوضع، وتتجاهل عن عمدٍ سنة الأيام فى التداول؛ فسوف يكون السقوط نهايتها المحتومة..!!
وكثيراً ما تؤله الشعوب حكامها، ولا تبخل عليهم بـ"الطاعة"، متى التزم الحكام بتحسين معيشتهم، ووفروا لهم بـ"كرامة" الماء والغذاء والكساء ..وإن فشلوا فى تحقيق الأمن عاقبتهم الشعوب بما يسمى بـ"التجويع السياسى" الذى يحرم الحكام من نشوة الاستعباد، ويعطى الحق للشعوب فى العصيان المدنى والتهرب الضريبى، باعتبارها وسائل لمجازاة الحكام الذين لا يحوطون رعاياهم، وأرى ملوكًا لا تحوط رعية.. فعَلَامَ تُؤخذُ جزيةٍ ومكوس..؟!!
ولما كان الفقر فى مصر يزداد حدة لدرجة أن هناك فئات سكانية عريضة تجاوزت خط الفقر ووصلت بجدارة إلى خط الاحتياج؛ فإن الحديث عن "المجاعة" بات ملحاً؛ لما قد تفضي إليه المجاعات من فرص لزيادة حدة التفاوت الطبقي، الذى يكرس "لإقصاء" فئات عديدة عن المشاركة وحتى الانتفاع العادل من موارد الدولة.. ويسمح بإنتاج فئات جديدة من "العبيد" فى مجتمع يدعو إلى احترام قيم "المواطنة"..!