ابنتا عمر سليمان: المجلس العسكري رفض فكرة إنشاء مجلس رئاسي
فى التاسع عشر من شهر يوليو الحالى مرت الذكرى الثالثة لرحيل اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية الأسبق ورئيس المخابرات العامة منذ عام 1993 وحتى 29 يناير 2011.
لقد ظلت وفاة اللواء عمر سليمان لغزاً محيراً لدى الكثير من المحللين والكتاب، بل وقطاعات عريضة من الشعب المصرى والعربى، وهو ما حدا بالبعض إلى ترديد شائعات عديدة وكاذبة حول مكان وطريقة وفاته، حتى وصلت هذه الشائعات إلى القول بأن الرجل لا يزال حياً، وأنه سيظهر فى اللحظة المناسبة. ومنذ فترة من الوقت، كنت قد التقيت كريمتى اللواء عمر سليمان رانيا وداليا فى منزل المهندس فرج أباظة زوج السيدة داليا وبحضور المهندس عبدالحميد نجل الشهيد أحمد حمدى وزوج السيدة رانيا. كنت فى هذا الوقت أعد كتاباً عن «الصندوق الأسود عمر سليمان»، وكنت أبحث وأدقق فى كل معلومة حول وفاته وبعض من الوقائع التى استقيتها منه خلال لقاءات متعددة فى عامى 2011 و2012. ونظراً لأهمية هذه الحوارات والأسرار التى حوتها استأذنت من أسرة الراحل العظيم فى نشرها، فكان هذا الحوار مع كريمتيه رانيا وداليا وبحضور المهندس عبدالحميد حمدى والمهندس فرج أباظة.. والذى يُنشَر بالتوازى مع صحيفة «الأسبوع». كانت تلك هى المرة الأولى التى ألتقى فيها كريمتى اللواء عمر سليمان وجهاً لوجه، له من البنات ثلاث هن: رانيا وداليا، وعبير التى تسكن فى لندن، طلبت اللقاء من المهندس عبدالحميد حمدى زوج السيدة رانيا، اتفقنا على أن نلتقى فى منزل المهندس فرج أباظة زوج السيدة داليا فى شقته بمنطقة الدقى. وفى السابعة من مساء اليوم المحدد، كان اللقاء الخماسى، قلت للحاضرين، إننى أعد كتاباً عن «الصندوق الأسود.. عمر سليمان» وأريد الاستفسار عن بعض الأمور.
قالت رانيا: عندما كان المتظاهرون يزحفون إلى القصر الجمهورى فى الاتحادية كانت هناك مخاوف وقلاقل عديدة من احتمال حدوث الصدام يوم الجمعة 11 فبراير، وكنا قلقين جداً على مستقبل البلد، لكن كانت ثقتنا فى الجيش كبيرة، وعندما سألت والدى عن احتمالية حدوث الصدام قال لى: متخافيش الحرس الجمهورى ليس معه طلقة واحدة من الرصاص، كما أن التعليمات الصادرة تقضى برفض أى اعتداء على المتظاهرين أياً كانت النتيجة.
تحدثت مع رانيا عن وقائع ما جرى يوم الجمعة 11 فبراير 2011 وقلقها على والدها فى هذا اليوم فقالت: لقد تحدثت مع والدى فى هذا اليوم، حيث كان المتظاهرون يتجهون إلى القصر الجمهورى فى مصر الجديدة، وسألته عن الأحوال فقال لى: «لا تقلقوا.. كل شىء حيبقى تمام إن شاء الله، والأمور حتمشى كويس، ومصر حتعدى هذه الأزمة ولن تحدث أى اشتباكات». وقالت رانيا: فى هذا اليوم طلب منى والدى أن نذهب جميعاً إلى منزل المهندس فرج أباظة زوج شقيقتى فى الدقى، حيث كنت أقيم أنا وزوجى والأبناء مع والدى ووالدتى فى التجمع الخامس.
وقالت: انتقلنا بالفعل إلى هناك، وظللنا نتابع الأحداث بقلق شديد، وبعد أن اتخذ الرئيس مبارك قرار التنحى عن السلطة فى مساء نفس اليوم حدثنا والدى ليطمئن على أحوالنا، فسألناه ماذا سيحدث بعد رحيل مبارك عن الحكم، فقال لى سيكون لنا دور مع المجلس العسكرى، وغداً سوف نجتمع لبحث تشكيل مجلس رئاسى يتولى إدارة شئون البلاد جنباً إلى جنب مع المجلس العسكرى. واستكملت حديثها بالقول: فى هذا المساء طلب منا أن نعود غداً إلى التجمع الخامس، وبالفعل فى تمام الساعة الثالثة من عصر يوم السبت 12 فبراير، كان والدى لا يزال موجوداً فى المنزل، فاندهشت وسألته عن أسباب وجوده وعدم ذهابه فى الموعد المحدد للقاء مع المجلس العسكرى فى صباح نفس اليوم، فقال لى: لقد تم تأجيل اللقاء إلى السابعة مساء.
وقالت رانيا: لقد ظللنا إلى جواره نتابع الأحداث فى هذا اليوم، وقبيل السابعة مساء غادر المنزل وذهب هو والفريق شفيق لمقابلة المشير حسين طنطاوى لكنه فوجئ برفض فكرة المجلس الرئاسى، ثم عاد مرة أخرى إلى المنزل ولم يتحدث معنا فى التفاصيل، فقد كان والدى كتوماً، ونادراً ما يتحدث معنا فى أمور العمل أو العلاقات أو غيرها، ولكننا عرفنا أن المجلس العسكرى قرر صرف النظر عن فكرة المجلس الرئاسى وعرفنا أيضاً فى هذا الوقت أنه تم سحب الخط الهاتفى المشفر بين والدى ورئيس الجمهورية، فأدرك ساعتها أن الموضوع قد انتهى، ولم يعلق ولو بكلمة واحدة، بل دخل إلى غرفته والتزم الصمت، فقد كان كل ما يهمه هو أن تمضى الأمور إلى الأمام.
وعندما سألت داليا عن محاولة الاغتيال التى تعرض لها والدها يوم 30 يناير، قالت: الحقيقة أنه لم يبلغنا بشىء، ولكن الشائعات كانت تتردد عن تعرضه لمحاولة اغتيال من مجهولين، بينما كان متجهاً للقصر الرئاسى فى مساء نفس اليوم، ولكنه أبلغ والدتى فقط بما حدث، وطلب منها عدم إبلاغنا بأى شىء، فى هذا اليوم عندما عاد والدى إلى المنزل كان كل شىء طبيعياً، وكان هادئ الأعصاب، بل وراح يلعب مع الأحفاد، وكأن شيئاً لم يحدث، وقد اقتنعنا أنه لم يحدث أى شىء بالفعل وأن ما تردد لم يكن سوى شائعات كاذبة، ولكننا عرفنا بعد ذلك أن هناك محاولة بالفعل جرت لاغتياله، ولم نعرف من كان يقف وراءها.
وقالت داليا: سارت الحياة بعد ذلك بشكل طبيعى كان والدى يذهب فى بعض أيام الأسبوع إلى مكتبه فى المبنى القديم للمخابرات العامة، يذهب ليقضى بعض الوقت، ويلتقى بأصدقائه، ثم يعود إلى المنزل.
سألت رانيا عن هوايات الوالد فقالت: كانت القراءة أهم هواياته، وأيضاً رياضة «الاسكواش»، وكان يهوى السير على الأقدام وبالذات على الكورنيش بمدينة الإسكندرية، كان السائق يذهب به إلى محطة الرمل وكان يترك السائق للسير على الكورنيش وحيداً.
وقالت: فى إحدى المرات قابلته سيدة مصرية نظرت إليه جيداً، وقالت له: أنت عمر سليمان، فصمت ولم يرد عليها، ثم عادت مرة أخرى لتلحق به وتقول له: «أنا متأكدة أنك أنت عمر سليمان شخصياً»، ابتسم فى هدوء وصافحها وتركها وواصل السير على الكورنيش.
وتتابع رانيا الحديث وتقول: كان والدى يعود إلينا يوم الخميس من كل أسبوع مبكراً، وكان يطلب من السائق أن يصطحبه إلى منطقة وسط البلد فى القاهرة، وكان أيضاً يواصل السير على الأقدام وحيداً من شارع قصر النيل وحتى شارع فؤاد، وفى إحدى المرات ذهب والدى إلى منطقة درب البرابرة القريبة من هناك وكان فى هذا الوقت يشغل منصب رئيس المخابرات العامة، وظل يتجول ويتفرج على النجف والأنتيكات، وأثناء ذلك تعرف عليه صاحب المحل، فتجمهر الناس من حوله، وكان والدى وحده، فخاف عليه صاحب المحل، وطلب منه أن يختبئ لحين انصراف الناس لكن والدى أصر على أن يصافح الناس، ثم مضى بعد ذلك.