الإخوان والثورات.. أفعى لا تعرف الانقضاض
تتباين المواقف السياسية عبر التاريخ، إلا أن الهدف واحد والوسيلة واحدة.. مراوغة يتبعها "تمكين" لا يدوم كثيرًا، واستغلال أقل الفرص للوصول إلى الفكرة الجنونية التي تتبناها الجماعة منذ نشأتها، فمهما اختلف المتحكمون بمكتب الإرشاد تظل فكرة "أستاذية العالم"، الهدف الأسمى، مستخدمين الدين عباءة يتخفون داخلها، وتبلور ذلك جليًا في أعقاب ثورتي 23 يوليو 1952 و25 يناير 2011.
ثورة 23 يوليو
لم يكن هناك أي حزب أو جماعة سياسية في مصر لديه الإمكانات للتصدي للقوات البريطانية إلى جانب الجيش المصري سوى جماعة الإخوان المسلمين؛ فكانت وقتئذ قوة شعبية مُنظّمة ومتماسكة، ولديها جماعات عديدة من المتطوعين المدربين، ما دفع الضباط الأحرار لاختيارهم ليكونوا "الحليف" في ثورة 23 يوليو.
بدأ الاتصال بين قيادة جماعة الإخوان وتنظيم الضباط الأحرار لوضع اللمسات الأخيرة للحركة، والاطمئنان إلى تأييد الإخوان المسلمين، والاتفاق على دورهم في الثورة، وسيناريوهات الحكم بعد نجاح الحركة؛ وبذلك يكون الإخوان المسلمون الجماعة الوحيدة التي كانت على علم مسبق ومباشر بقيام الثورة.
التحالف لم يدم طويلًا، فلم تمر سوى سنتين حتى توترت العلاقة بين مجلس قيادة الثورة وجماعة الإخوان على إثر محاولة اغتيال جمال عبدالناصر في 26 أكتوبر 1954، والمعروف بـ"حادث المنشية"، حينما كان يخطب "عبدالناصر" في الإسكندرية، بميدان التحرير "المنشية" في احتفال شعبي كبير، بمناسبة التوقيع على اتفاقية الجلاء، وبينما هو مستغرق في خطابه، دوت في الميدان رصاصات ثمان متتابعة قيل، وقتئذٍ، إن شابًا من الإخوان المسلمين صوبها إلى صدر جمال عبدالناصر، ولكن الرصاصات أخطأت الهدف.
لم يمر هذا الحادث مرور الكرام، فكان بمثابة المسمار الأخير في نعش الإخوان أثناء عهد عبدالناصر، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة، في نوفمبر 1954 قرارًا بتأليف محكمة خاصة سُميت "محكمة الشعب"، برئاسة جمال سالم، وعضوية أنور السادات، حسين الشافعي؛ لمحاكمة الأفعال التي تعدّ خيانة للوطن، أو ضدّ سلامته في الداخل والخارج، وكل ما يعتبر موجّهًا ضدّ نظام الحكم، والأسس التي قامت عليها الثورة.
وخصصت محكمة الشعب ثلاث دوائر لنظر قضايا الإخوان، المشتركين في حوادث الاغتيال والإرهاب، وعددهم نحو 700، وتبين أن عدد الذين حكمت عليهم محاكم الشعب هو 867، وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية 254، وذلك وفقًا لما ذكره ريتشارد ميتشل، في كتابه عن الإخوان المسلمون الصادر عن مكتبة مدبولي عام 1977.
ثورة 25 يناير
كانت جماعة الإخوان المسلمين أكبر المستفيدين من قيام ثورة 25 يناير 2011، فبعد رفضهم المشاركة في الشرارة الأولى في اندلاع الثورة يوم 25 يناير، أعلنت الجماعة مشاركتها رسميًا في أحداث الثورة 28 يناير.
بعدما نجحت الثورة في إسقاط نظام مبارك، والدخول في المرحلة الانتقالية تحت قيادة المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، بدأت استعدادات الإخوان للهيمنة على أغلبية مقاعد البرلمان، حيث دفعت الجماعة بـ500 مرشح في الانتخابات البرلمانية، ما يعنى أنهم تنافسوا للحصول على 70% من مقاعد البرلمان.
لم تقف طموحات الجماعة عند هذا الحد، بل نكثت وعودها بعدم نيتها في الدفع بمرشح خلال الانتخابات الرئاسية، وأعلنت ترشيح خيرت الشاطر، قبل أن يتم الدفع بالبديل محمد مرسي، الذي نجح في الوصول إلى قصر الاتحادية، ليضع اسمه كأول رئيس مدني منتخب في مصر.
عام واحد كان كافيًا لإثبات الجماعة فشلها في إدارة البلاد، فلم يصبر الشعب المصري على الرئيس الأسبق محمد مرسي، وأعلن التمرد عليه من خلال ثورة شعبية في 30 يونيو 2013.
ثورة 30 يونيو
قامت ثورة 30 يونيو لتعود بجماعة الإخوان المسلمين إلى نقطة الصفر من جديد، وخسارة التعاطف الشعبي الذي كان موجودًا بنسبة قليلة في عهد مبارك، عقب حالة الإرهاب والعنف التي يبثها عدد من أعضاء الجماعة ومؤيديها داخل المجتمع المصري.
من القصر إلى السجن، ومن الجماعة القابضة على مقاليد الحكم إلى "الجماعة الإرهابية"، هكذا بات حال الإخوان في مصر بعد أكثر من 80 عامًا من العمل السياسي، و3 ثورات.