متجمعين عندهم: إسماعيل عبدالحافظ.. صاحب الليالى المفقودة
للدراما فى العالم العربى آباء لا ينكرهم إلا غافل، ولن يتجاوزهم الزمن مهما مرّ، فهذا الرجل ذو الشعر الفضى صاحب الملامح الهادئة المبتسمة والعينين الصافيتين الذى يناديه الكبير والصغير بـ«عم إسماعيل عبدالحافظ» لا يمكننا أن نطوى صفحته بسهولة ونحن نرصد تاريخ الدراما العربية، فله فيها منجز كبير تم بناء غالبية عماراته بالاشتراك مع الكاتب الأهم فى تاريخ الدراما المصرية، أسامة أنور عكاشة.
يتابع العم إسماعيل عبدالحافظ مشاهده بتركيز خلف الكاميرا، يصدر توجيهاته بهدوء لحشود الممثلين الذين يتحركون أمامه لتنفيذ ما ابتكره خيال الكاتب من شخصيات مصرية وعوالم تتحرك لتكون مجتمعاً كاملاً، يعيد جملاً ومشاهد وحركات ويحسّن ويجوّد فى تفصيلة أو اثنتين، لينتهى المشهد أخيراً بتصفيق لمن أدى، وخلود لما أدار الدفة من وراء الكاميرا ليسعد السيد الجمهور فى رمضان من كل عام بوجبة ثنائية أعدها «عبدالحافظ وعكاشة».
عدد كبير من الأعمال الدرامية المهمة قدمها المخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ، المولود فى عام 1941 بمحافظة كفر الشيخ، كان «عكاشة» يكتب، و«عبدالحافظ» يُترجم الكتابة إلى مرئيات، وكوّن الاثنان فريقاً ناجحاً، كان الجمهور البسيط يعرفهما بالاسم ويمكنه تمييز رائحتهما الدرامية عن بعد.
«عبدالحافظ» واحد من أبرز مخرجى الدراما التليفزيونية من الجيل الثانى مع يحيى العلمى ومحمد فاضل، بدأ حياته الفنية فى ستينات القرن الماضى، بعد تخرجه من كلية الآداب قسم لغات شرقية، بجامعة عين شمس عام 1963 بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف، رفض العمل معيداً بالكلية لحصوله فى ذات الوقت على خطاب تعيين للعمل بالإذاعة والتليفزيون، وعمل فى 1963 كمُساعد مُخرج فى مراقبة الأطفال، ثم انتقل عام 1965 إلى مُراقبة المُسلسلات.
مسلسلات «عبدالحافظ» التى كانت تعرض فى رمضان كل عام لا تزال صامدة وخالدة فى أذهان المصريين، رغم إنتاج عشرات الأعمال الدرامية كل عام على الكثير من القنوات الفضائية بمصر والعالم العربى، يحفظ المصريون عن ظهر قلب شخصيات وأحداث بل وجمل حوار مسلسل «ليالى الحلمية» بأجزائه الخمسة، و«الشهد والدموع» بجزأيه، و«الوسية» و«خالتى صفية والدير»، و«العائلة» و«امرأة من زمن الحب» و«عفاريت السيالة» و«المصراوية»، و«جمهورية زفتى»، و«شارع المواردى»، و«حدائق الشيطان».
بعد التراويح على شاشة التليفزيون المصرى يكون اللقاء مع «تمثيليات عبدالحافظ»، التى كانت تتابعها الأسرة المصرية بكل أفرادها، فلن تخجل من ملابس ولا ألفاظ، فقط هناك فن له رؤية للمجتمع ويعبر عنها برقى بالغ، عكس ما أصاب أعمالنا الدرامية هذه الأيام من خدش لكل ما هو أخلاقى وتجاوز لكل ما هو انحدار بلا أدنى قيمة فنية.
استطاع المخرج إسماعيل عبدالحافظ تقديم الشخصية المصرية التى تعيش فى الصعيد والوجه البحرى وشوارع القاهرة القديمة بشكل مميز وواقعى. هذه الأعمال الإبداعية كان يشاهدها معظم مواطنى الدول العربية فى رمضان، كانوا يحفظون خلالها أسماء الشوارع والأحياء المصرية التى تناولتها هذه المسلسلات، وكانت تمثل جزءاً من القوة الناعمة للدولة المصرية، فأعمال «عبدالحافظ» كانت تعمق مفهوم الوحدة الوطنية والعدالة والانتماء.
توقف إنتاج «عبدالحافظ» الإخراجى بعد رحيل أسامة أنور عكاشة فى 2010، وفى صباح يوم الخميس 13 سبتمبر 2012، رحل بعد صراع قصير مع المرض عن عمر ناهز الـ71 عاماً فى باريس، بعد أن مكث فى المستشفى منذ أول أيام عيد الفطر، ليرحل فى هدوء بعد تاريخ حافل واجتهاد استحق التقدير من أجيال الجمهور العربى، فلا تزال أعماله يعاد عرضها على الفضائيات المختلفة كتراث فنى مجيد وجزء من رصد الحياة المصرية فى القرن الماضى.