«قعدة مزاج» فى مقابر «العمود» بالإسكندرية: الحى أبقى
وضع الزهور على قبر شقيقه، ودعا له بالرحمة والمغفرة، دقائق قضاها فى زيارته بمقابر العمود بمنطقة كرموز بالإسكندرية، وسط حالة من الشجن مصحوبة بصوت عذب لآيات الذكر الحكيم يتلوها أحد المقرئين، «عبدالله شلبى» أنهى الزيارة بقراءة الفاتحة، ولم يكد يدير ظهره للوراء حتى باغته صوت عالٍ، ممزوجاً بقهقهات، الصوت صادر من اتجاه غرفة الحراسة المجاورة للمقابر، غادرها أصحابها قبل ثوانٍ، لكن أدوات «المزاج» التى كانت بصحبتهم من الأراجيل ودخانها الأزرق لم يغادر المكان بعد.
«فين حرمة الموت؟ شيشة ومزاج داخل المدافن».. بصوت لا يخلو من اندهاش من هول ما شاهد، قال صارخاً: «سمعت كتير عن وجود أعمال منافية للآداب وتصرفات غير لائقة داخل المقابر، لكن ماصدقتش لغاية لما شفت بعينى»، «عبدالله» ما زال يضرب كفاً بكف، يستدعى ذكريات المقابر مع عائلته: «هنا اندفن معظم أفراد عيلتى، المكان اللى بنحاول نستريح فيه من وجع الدنيا، بقى مكان للمزاج». خطوات تتقدم وأخرى تتأخر، أقدام «عبدالله» ترتعد بالقرب من الغرفة: «خايف أبلغهم أن ده مايصحش، يعتدوا عليا»، قلق «عبدالله» دفعه فى النهاية إلى المغادرة، ولم يجد سوى مخاطبة دار الإفتاء، لسؤالها عن جواز تناول الأرجيلة والمشروبات التى تغيّب العقل من المخدرات وغيرها بجوار الميت! متسائلاً: «ما دام المسئولين شايفين أنه عادى، نسأل رجال الدين».
رجال الدين بدورهم لم يسهموا فى الحد من قلق «عبدالله»، فخاطب مدير أمن الإسكندرية مطالباً بضرورة توفير أمن دائم على مقابر العمود، وإغلاق كل الغرف الملحقة بها نهائياً مع عمل لجان تفتيش دورية للتأكد من خلو الجبانات من أى أدوات أو أشخاص دخيلة على المكان، ويضيف: «بخلاف الخفير اللى موجود على الجبانات واللى المفروض يتم اختياره أمنياً لازم يتم تسليم البطاقات على باب الجبانة»، «عبدالله» أسدى النصح لكل أقاربه وجيرانه بوقف زياراتهم للمقابر حتى يحين وقت رفع كل المخالفات عنها: «لأن حوادث القتل والخطف يمكن أن تحدث فيها دون أن يدرى أحد». «المنطقة بجوار المسرح الرومانى والمنطقة الأثرية».. يلفت محمد جمال، أحد سكان المنطقة، الانتباه إلى تحويلها إلى مقابر، وانقطاع الكهرباء عنها معظم الوقت مما يدفع إلى استغلالها من قبَل البلطجية وتاجرى المخدرات بطريقة غير قانونية، فضلاً عن الإتاوات المفروضة من حارسى المقابر على الأهالى حين دفن ذويهم: «مدافن المسلمين بجوارها متحف المجوهرات الملكية والمتحف اليونانى والمسرح الرومانى».
خضوع المقابر لحراسة لشرطة بمنطقة عمود السوارى، لم يمنع عنها تلك الأعمال المنافية. الدكتور مصطفى رشدى، رئيس قطاع الآثار اليونانية بالإسكندرية، قال إن بعض الخارجين عن القانون يتجاوزون السور المنخفض للمقابر والبوابات الخلفية بصورة متواصلة، موضحاً فى الوقت نفسه أن المنطقة الأثرية المجاورة للمقابر لا يستطيع أحد اجتيازها: «منطقة عمود السوارى أثرية، وضمن خطة التطوير منذ سنوات، وتحت حراسة مشددة».