بروفايل| «هدى شعراوى» الرائدة لا تزال حاضرة
وجهٌ دائرى أبيض، تزينه عينان واسعتان، وابتسامة خفيفة رائقة، وُلدت صاحبته قبل 136 عاماً فى مدينة المنيا بشمال صعيد مصر، لتكون فيما بعد من رائدات تحرير المرأة ومن أكثر السيدات فى مصر تأثيراً وحضوراً.
ارتبطت هدى شعراوى، فى أذهان الجميع بوقوفها عام 1921، وخلعها البرقع، الذى كان يغطى وجوه النساء فى تلك الفترة، وتم اعتبارها من أوائل من بادرن بخلع الحجاب، قالت إنها قرأت الفاتحة وهى تتقدم الصفوف، وهى تترقب ردود الفعل، ولكن انشغل الجميع فى لقاء سعد زغلول ومصافحته، ولم يلتفت إليها أحد، لكنها تلقت الانتقادات الحادة فيما بعد.
تمرد «نور الهدى سلطان»، أو «هدى شعراوى» تجلى فى كتابة مذكراتها، لأنها كانت محاولة لاقتناص مكانة تاريخية لها فى تلك الحقبة التى عاصرتها، رغم أنف الجميع، حيث بدأت كتابها الضخم، بالذكريات المؤلمة، التى حولتها إلى تلك العنيدة المتمردة: «لا أستطيع تدخين سيجارة لتهدئة أعصابى، حتى لا يتسلل دخانها إلى حيث يجلس الرجال». كتبت «شعراوى» عن التمييز بينها وبين أخيها الأصغر «خطاب»، وتفضيل أسرتها له. حكت عن إحساسها بالظلم حين تزوجت فى سن الثالثة عشرة، من ابن عمها «على شعراوى»، الذى كان يكبرها بأربعين عاماً، كتبت عن فرحتها الساذجة باهتمام أسرتها بها قبل الزواج، وتلقيبها بالعروس، ثم وصفت ليلة زواجها بعبارة واحدة متحفظة تحمل الكثير من الأسى، قائلة: «بعدها لم يعد أى شىء كما كان».
ترأست «هدى» والدة «بثينة ومحمد على شعراوى»، لجنة «الوفد» المركزية للسيدات، التى خرجت نساؤها فى مظاهرات 1919، مناديات بالحرية والاستقلال، وبعد سفرها إلى أوروبا فى رحلة علاج، لاحظت مكانة المرأة الأوروبية، وحاولت محاكاتها بكل طريقة ممكنة، ولذلك كان تأسيسها للاتحاد النسائى المصرى عام 1927، على غرار الاتحاد النسائى الدولى الذى شاركت فى عضويته، وأصدرت مجلة «الإيجبسيان» باللغة الفرنسية، مما يظهر أن قراءها اقتصروا على الطبقة الراقية وسيدات المجتمع القادرات على القراءة بالفرنسية.. رؤية هدى شعراوى، عما تحتاجه المرأة العربية من حقوق، انعكست فى المؤتمر النسائى العربى، الذى عقدته عام 1944، مع مندوبات من الأقطار العربية المختلفة، حيث طالبت بحق المرأة فى الانتخاب، وتقييد تعدُّد الزوجات إلا فى حالات المرض وفى ظروف خاصة.
لطالما كان للرائدات حظ فى تلقى الطعنات الأولى من المجتمع، ولكن كانت هدى شعراوى الأقل حظاً من تلك الطعنات، لأنها حملت اسم زوجها «على شعراوى»، الصديق المقرب إلى سعد زغلول، ولانتمائها إلى عائلة غنية، حيث امتلكت 120 فداناً، وعدة مصانع، منها مصنع خزف، توفيت هدى شعراوى يوم 12 ديسمبر 1947، وهى فى فراشها تكتب عن القضية الفلسطينية، وورثت قضية المرأة لمن جاءوا بعدها، كل حق اكتسبته المرأة المصرية، سبقته قصة طويلة من النضال والكفاح.. «بثينة»، و«محمد».