المشير طنطاوي في أزمة تعيين محافظ قبطي لقنا: "أنا مابحبش صفوت حجازي"
تنشر «الأسبوع» و«الوطن» فصولاً منتقاة من كتاب سوف يصدر قريباً بعنوان «لغز المشير» للزميل الكاتب الصحفى مصطفى بكرى. وتتناول هذه الحلقات أدق تفاصيل المرحلة الانتقالية وحقائق الأحداث التى شهدتها، وأسراراً تنشر للمرة الأولى عن مواقف ظلت طى الكتمان طوال المرحلة الماضية.ويركز الكتاب على وقائع المرحلة الانتقالية التى تولى فيها المشير حسين طنطاوى، إدارة شئون البلد، بوصفه رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وفى هذا الفصل، يتناول «المؤلف» تفاصيل الحوار الذى جرى بينه وبين المشير حسين طنطاوى يوم التاسع عشر من أبريل 2011، أى بعد اندلاع ثورة 25 يناير بأسابيع قليلة. ويؤكد المشير طنطاوى خلال هذا اللقاء الذى سجّل المؤلف تفاصيله كاملة، موقف الجيش من التطورات التى شهدتها البلاد فى هذه الفترة، وتصوراته للفترة المستقبلية.
كان المشير على علم بأبعاد المخطط الذى استهدف نشر الفوضى وإسقاط الدولة، إلا أنه كان على ثقة من أن المتآمرين من الداخل والخارج لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، طالما ظل الجيش المصرى قوياً وموحّداً.. وإلى التفاصيل.
لم تكن تلك هى المرة الأولى، كنت ألتقيه بين الحين والآخر فى البرلمان أو العزاءات أو الأفراح، أو بعض اللقاءات الخاصة، وجه أسمر، مغموس بتراب هذا الوطن، وقلب صافٍ ومفتوح، وإنسانية بلا حدود.
كان الموعد الثانية عشرة من ظهر الثلاثاء التاسع عشر من أبريل عام 2011، لم يكن هناك ترتيب خاص، وإنما هى الصدفة وحدها، التى كانت وراء لقائى مع المشير محمد حسين طنطاوى فى هذا الوقت.
فى العاشرة من صباح اليوم ذاته، كنت ضمن وفد من أبناء منطقة حلوان، نلتقى اللواء حسن الروينى قائد المنطقة العسكرية المركزية، كنت قد تحدثت معه فى اليوم السابق، وأبلغته غضب أبناء حلوان من قرار رئيس الوزراء إلغاء محافظة حلوان، وإعادة تبعيتها مرة أخرى إلى محافظة القاهرة.
استقبلنا اللواء حسن الروينى بترحاب شديد، شرحنا له خطورة القرار، وطلبنا إعادة محافظة حلوان مرة أخرى، وأثناء الحوار الذى استمر لما يقرب من الساعتين، جاء اتصال هاتفى مهم للواء حسن الروينى، غادر المكتب الذى استقبلنا فيه، ثم عاد إلينا بعد قليل.
وبعد انتهاء حوارنا معه، طلب منى اللواء حسن الروينى الانتظار بعض الوقت، وأبلغنى أن المشير طنطاوى، عندما علم أننى موجود، طلب أن يرانى فى مكتبه بمبنى وزارة الدفاع القريب من مقر المنطقة المركزية.
فى هذا الوقت كانت مدينة قنا فى جنوب الصعيد قد شهدت توتراً كبيراً بعد الإعلان عن تعيين محافظ قبطى هو اللواء عماد ميخائيل، خلفاً للواء مجدى أيوب، مما اعتبره البعض ترسيخاً واستمراراً لسياسة تعيين محافظ قبطى للمرة الثانية على التوالى بالمحافظة.
فى هذا الوقت، اشتعلت الأزمة فى مدينة قنا، وبدأ بعض خطباء المساجد يصعّدون حدة انتقادهم للقرار الذى أصدره المشير طنطاوى، بوصفه رئيس المجلس العسكرى فى 14 أبريل 2011، فى إطار حركة المحافظين التى شملت تعيين 18 محافظاً.
بدأت الأحداث بمظاهرة محدودة فى ميدان الساعة يوم صدور القرار، إلا أن حركة الاحتجاجات قد تزايدت حتى وصلت إلى ذروتها يوم الجمعة 15 أبريل.
وفى هذا اليوم، احتشد نحو ثلاثين ألفاً من أبناء قنا، وبدأوا اعتصاماً مفتوحاً أمام مبنى ديوان المحافظة، وقرّروا منع أى موظف من الدخول إلى المبنى، ثم سرعان ما تصاعدت الأحداث بالتهديد بقطع طريق السكة الحديد (القاهرة - أسوان).
وعندما أدى المحافظ «القبطى» اليمين الدستورية أمام المشير طنطاوى فى اليوم التالى، اعتبر أهالى قنا أن ما جرى هو استخفاف بهم ورفض لمطلبهم، فقاموا على الفور بقطع الطرق السريعة بين القاهرة وأسوان، حيث جرى قطع طريق السكة الحديد، ثم الطريق الغربى، وطريق قنا - البحر الأحمر.
وقد قام وفد يمثّل وزير الداخلية اللواء منصور العيسوى، ووزير التنمية المحلية اللواء محسن النعمانى، والتقيا مع زعماء القبائل وعدد من الشخصيات العامة فى قنا، إلا أنهما فشلا فى فض الاعتصام أو إقناع المحتجين بفتح الطرق التى تم قطعها.
وقد أجرى اللواء حسن الروينى اتصالات عديدة، بعد أن علم بتدهور الموقف والاستمرار فى قطع الطريق وشل جميع مظاهر الحياة فى منطقة جنوب الصعيد.
وقُبيل أن نمضى إلى مكتب المشير طنطاوى أبلغنى اللواء الروينى أن المشير طنطاوى قرر إيفاد وفد شعبى إلى أهالى قنا للتفاوض معهم، لإنهاء الاعتصام وفتح الطرق المغلقة، وسألنى إذا كنت أقبل أن أكون عضواً فى هذا الوفد؟!
وعندما سألته على الفور: ومَن سيكون ضمن أعضاء الوفد؟!
- قال لى الروينى: أنت والشيخ محمد حسان وصفوت حجازى.
توقفت لبعض الوقت، وسألته: ولماذا صفوت حجازى، تحديداً؟!
- قال اللواء الروينى: يبدو أن له أنصاراً هناك، كما أن الشيخ حسان أوصى بأن يرافقه فى هذه الزيارة.
أبديت موافقتى على المشاركة ضمن الوفد، فأنا أنتمى إلى هذه المحافظة، ومهتم بما يجرى فيها، ولدى معرفة عميقة بالرموز القبلية والعائلية.
مضينا فى سيارة عسكرية من مبنى المنطقة المركزية إلى وزارة الدفاع، ثم صعدت أنا واللواء حسن الروينى إلى صالون الاستقبال الرئيسى فى مبنى الوزارة.
دقائق معدودة، وجاء المشير طنطاوى، كان جسده نحيلاً للغاية، ووجهه يبدو شاحباً، والإرهاق والتعب باديان عليه، وكأنه يحمل هموم الدنيا على ظهره.
تعانقنا، وبادرنى بالسؤال: أنت فين؟!
- قلت له: موجود يا فندم.. تحت أمرك.
- قال: موجود فين؟ انتو سايبينى لوحدى.
- قلت له: إزاى يا فندم.. الناس كلها معاك، وبنقول لك كان الله فى عونك.
تدخّل اللواء حسن الروينى فى الحديث، وقال:
- على فكرة يا فندم، خلاص أنا أبلغت الشيخ محمد حسان وصفوت حجازى ومعاهم مصطفى بكرى حيسافروا عصر اليوم إلى قنا علشان موضوع الاعتصام وقطع الطرق.
- قال المشير طنطاوى: وليه بس صفوت حجازى، أنا لا أحب هذا الشخص!!
- قال اللواء الروينى: الشيخ حسان تمسك بيه، وخلاص أهوه حيروح وكل شىء ينتهى.
- نظر إلىّ المشير وقال: لازم تروح معاهم، دول أهلك وناسك، وحاولوا تهَدُّوهم، البلد مش مستحملة، وقطع الطرق ده أسلوب مرفوض، حياة الناس متعطلة، وأنا مش عاوز ألجأ لأى أساليب، لأن دول أهلنا برضه.