فى 31 أكتوبر عام 1968 كان «مؤتمر الحسنة» فى سيناء شاهداً على وطنية القبائل العربية، وفى 1 مايو هذا العام (2024) شهدت سيناء أيضاً «المؤتمر التأسيسى الأول لاتحاد القبائل العربية» شاهداً على عمق انتماء كافة القبائل العربية للوطن الأم (مصر).
أكثر من (55) سنة طواها الزمن، ولم تفلح تباديل وتوافيق الحرب والسلام فى زعزعة العقيدة الوطنية للقبائل بتوزيعاتها الجغرافية المترامية فى الصحراء الغربية والشرقية وسيناء.
«مؤتمر الحسنة» كان الصدمة الكبرى لإسرائيل على يد الشيخ سالم الهرش كبير قبيلة «البياضية»، التى تنتشر فى منطقة بئر العبد بين القنطرة شرق والعريش.
بعد احتلالها لسيناء حاولت إسرائيل تحريض أهلها على الانفصال عن مصر وإعلان الاستقلال، واجتمع وزير الدفاع الإسرائيلى الأشهر آنذاك «موشيه ديان» بمشايخ سيناء لإقناعهم بالفكرة، وتدويل قضيتهم، لقطع الطريق على أى محاولة لتحرير الأرض المحتلة.
وتم التنسيق بين القاهرة ومشايخ سيناء فى أعلى درجاته، وتمت مجاراة إسرائيل التى حصلت على وعد من الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من حلفائها الغربيين بدعم القضية، حال موافقة أهل سيناء على التدويل، والتعبير عن ذلك أمام العالم كله.. وكان «مؤتمر الحسنة»، وفوضت القبائل الشيخ «الهرش» لإعلان موقفها.
وبينما «ديان» وقادة الكيان الصهيونى ينتظرون، وقف «الهرش» قائلاً كلمته التاريخية: «إن سيناء مصرية، وهى قطعة من مصر، ولا نرضى بديلاً عن مصر، وما أنتم إلا احتلال، ونرفض التدويل، وأمر سيناء فى يد مصر، لأنها مصرية مائة فى المائة، ولا نملك فيها شبراً واحداً يمكننا التفريط فيه».
تحول «مؤتمر الحسنة» إلى فضيحة عالمية للكيان الصهيونى المحتل، وإلى وثيقة دامغة -بالصوت والصورة- على قوة ومتانة ارتباط أبناء القبائل العربية بالوطن.
ولم يتوقف الدور التاريخى لهؤلاء عند حدود مشهد «الحسنة»، لكنه استمر لاحقاً لسنوات وسنوات، بداية من حرب الاستنزاف، وخلال حرب أكتوبر المجيدة، وحتى مواجهة التطرف، عبر ملحمة بطولية امتدت من تحرير الأرض من الاحتلال، إلى تطهيرها من الإرهاب، وقف فيها أبناء سيناء جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة المصرية وقوات الشرطة على قلب رجل واحد، حتى جاءت مرحلة التنمية. وقيض الله لمصر قائداً حمل على عاتقه عبء العناية بما أهمله التاريخ، وجاء الرئيس السيسى ليطلق الخطة التنموية الشاملة لتنمية سيناء، هى الأكبر فى تاريخها، وقالها خلال الاحتفال بالذكرى الـ42 لتحريرها: «إن تعميرها هو واجب وطنى مقدس».
وخلال السنوات العشر الماضية ضخت الدولة ما يقارب التريليون جنيه، لتمويل مشروعات الإعمار، واستصلاح الأراضى القابلة للزراعة، وإعادة تأهيل المناطق الحضرية، ودعم قدراتها على الإنتاج والنمو المستدام، وربطها بشبكة طرق وأنفاق وكبارى عائمة، وخطوط قطارات، وموانئ ومطارات.. والعديد من المشروعات السياحية والصناعية، التى يصعب حصرها فى كلمات موجزة.
تنمية سيناء لم تأت كخطوة عابرة أو طارئة، وإن بدأت بخطة واضحة فحتماً ستتفرع منها خطط، وإن بدأت بمرحلة فستعقبها مراحل عديدة.
نحن أمام «استراتيجية» وضعتها الدولة، وتستأهل حاضنة شعبية لتوفير المسار الآمن لضمان تنفيذها وفق معدلاتها الزمنية المحددة، وتأكيد استمرارها والبناء عليها، ومن هنا تبرز قيمة وأهمية تدشين اتحاد القبائل العربية.
نحن الآن بصدد نقلة نوعية لتعزيز دور القبائل -اتساقاً مع دورها التاريخى فى أوقات الحرب والسلام- لدعم الدولة الوطنية، وتأكيد تلاقيها مع القيادة السياسية، ومن المؤكد أن الرسائل الواضحة والمباشرة من قادة القبائل العربية، حول رفض مخطط تهجير أهالى غزة، وتصفية القضية الفلسطينية، قد وصلت إلى من يهمهم الأمر فى «تل أبيب» و«واشنطن»، بدليل الهجوم الإعلامى السريع والمنظم ضد الاتحاد، فور انتهاء مؤتمره التأسيسى الأول، ومما يدعو للأسف أن الرسالة التى وصلت للخارج، لم تصل للبعض فى الداخل، ممن لا تصل الدماء لأمخاخهم بالمعدلات الفسيولوجية المناسبة، وكأنهم جُبلوا على «المناكفة» التى هى بلا طائل، والتى يعضون بعدها أصابع الندم، ثم يستغفرون الله والوطن بعد فوات الأوان.