من أهم محاور استراتيجية مصر 2030 بناء الإنسان، ولأهمية هذا المحور لم يُسنَد تنفيذ ملفه إلى وزارة الثقافة وحدها، بل ضُمَّت إليها وزارات الشباب والرياضة والتربية والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى والأوقاف والسياحة والآثار والتضامن الاجتماعى، وكذلك الأزهر والكنيسة المصرية.
سارت مصر، خلال عشر سنوات منذ 2014 وحتى 2024، بخطوات واثقة فى ملف التمكين الثقافى، وهو الركن الركين فى مسألة بناء الإنسان، واستطاعت أن تنجز منه الكثير، فظهرت منارات ثقافية فى العاصمة الإدارية والعلمين والمدن الجديدة، وفى جنوب مصر وأوسطها وشمالها، هادفة إلى استلهام ثقافة عريقة تضرب بجذورها فى عمق التاريخ، وإبداع ثقافة جديدة تسهم فى بناء الإنسان ومواجهة خطر الغزو الثقافى القادم من الخارج.
منذ تدشين رؤية مصر 2030 وتحديد الأهداف الاستراتيجية والبرامج الثقافية المليئة بالوعود التحسينية، باتت دراسة صنع السياسات الثقافية فى مصر محل اهتمام من جانب قيادات الدولة ومؤسساتها. وقامت الدولة بوضع السياسات الثقافية وتنفيذها إيماناً منها بتداخلها فى الشأن الثقافى ووضع مجموعة القواعد والإجراءات والأنظمة الإدارية والمالية التى تشكل قاعدة لعمل الدولة فى مجال الثقافة. وتداخل الدولة فى الشأن الثقافى يحقق أهدافاً سياسية متمثلة فى وحدة المجتمع فكرياً، والحفاظ على التماسك الاجتماعى وبناء الهوية وتشكيل الوعى الوطنى وتأسيس الذاكرة الجماعية بحيث لا يُترك الأمر للأفراد أو الفئات المختلفة لكى يؤسس كل منها ما يراه من ثقافة حسبما يهوى، فبدون وجود الدولة بفاعلية فى عملية إنتاج ونقل الثقافة لن يكون لدى المجتمع حركة جادة فى الفنون والأدب، فالدولة تملك القدرة والقوة على التنفيذ والإلزام فى المجال الثقافى.
السياسات الثقافية هى الإجراءات التى تقوم بمقتضاها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بتنظيم وإدارة الثقافة بما يوفر جسور التواصل بين الفنون والآداب وحياة الناس بما يُمكِّن الجامعات والمؤسسات والشركات والأحزاب من تقديم الدعم لحركة الثقافة والترويج لها وتعزيزها وتعليمها للناس وتقييمها من خلال دوافع قانونية وسياسية لغرس قيم المواطنة لدى أفراد الشعب. وترتكز السياسات الثقافية للدولة على مفهومها المحدد لهذا الأمر وكذلك على مؤشرات الأمم المتحدة فى مجال الثقافة، واهتمت الدولة بأربعة جوانب هى: الحق فى الثقافة، التنوع الثقافى، دور الدولة فى الثقافة، والاهتمام بتطوير الصناعات الثقافية.
تدرك الدولة أن شخصية مصر التاريخية لم يبنِها الإنتاج المادى بقدر ما بنتها ثقافتها التى كانت ثمرة حضارة تضافرت عناصرها ومكوِّناتها على مر العصور حتى صارت ركناً أصيلاً فى تاريخها العام. كما تتمسك الدولة بمبدأ ديمقراطية الثقافة على أساس التزامها بتوفير الثقافة للجميع ومنح أولوية للفئات المحرومة مع اختيار الوسائل المناسبة للتوصيل الثقافى، وهى تعلم أن الاستراتيجية الناجحة لا بد أن تستند إلى مسح شامل للواقع الاجتماعى، كما أن وجود وزارة أو أجهزة مختصة بشئون الثقافة لا يُغنى عن الأخذ بأساليب التخطيط العلمى الحديث فى هذا المجال. وتعمل أجهزة الثقافة من أجل الجميع وتلبية احتياجات المجتمع ككل وليس من أجل الصفوة أو النخبة، وتهدف بذلك لتعويض من قصرت بهم الأسباب عن التعلم وتدارك ما فات ونشر حركة التنوير ومحو الأمية الثقافية.