فى منطقة الشرق الأوسط لا أحد رابح مما يحدث من اتساع دائرة الصراع، فمن يظُن أنه انتصر فى المعركة فهو واهم، ومن يظُن أنه فاز فى المواجهات فهو يخدع نفسه، ومن يظُن أنه فرض إرادته فلا بد أن يُحاسَب فى ميدان عام بتُهمة «الغباء الدبلوماسى» لأنه يفتقر للدبلوماسية التى تتطلب مواءمات وتحالفات وتنازُلات ومراعاة لمصالح الشعوب وليس مصالح أشخاص، ومن يظُن أنه نَكّل بالآخر فهو مُخطئ، ومن يظُن أنه حقق ما يسعى إليه فتباً لهذا السعى طالما أتى على جُثث أهالى قطاع غزة الصامدين.
أوقفوا المسيَّرات والصواريخ والقنابل، وافتحوا أذرعكم للسلام ورددوا: فلتسقط المسيّرات والصواريخ وأهلاً بالسياسة وأهلاً بالدبلوماسية، فالنتيجة (صفر كبير) لكل الأطراف المعنية، الكُل فشل فى تحقيق مُراده، الكُل استُنزِف اقتصادياً، الكُل فَقَد بعضاً من موارده، الكُل لم يَعُد يهتم بالبناء وغاب اهتمامه بالبناء أمام حالة الدمار التى تُحيط بنا.
ظنى أن كل أطراف المواجهات المُشتعلة الآن غائبون عن الوعى وعميت أبصارهم وكأنهم معصوبو العيون ولا يرون حالة الهوان والفوضى والعنف والعنف المضاد التى تشهدها المنطقة.. متأكد من أن شعوب المنطقة مظلومة ومغلوبة على أمرها ولا ترضى بكل هذه المواجهات، مُتأكد من أن شعوب المنطقة بالكامل تُريد العيش فى سلام وأمان ولا يبحثون عن شىء آخر ويرفضون سلوك حكومات دول المواجهة ولا يرضون بحدوث هذا الخلل الأمنى -غير المسبوق- فى منطقة الشرق الأوسط.
أوقفوا المسيَّرات والصواريخ والقنابل، وعليكم طى صفحة المواجهات التى تهدم الأوطان، وافتحوا صفحة جديدة مع أنفسكم ومع شعوبكم قبل أن تفتحوها مع خُصومكم وابدأوا من أول وجديد وتفرَّغوا للسلام والبناء وتحقيق التقدم والنماء، كفاكم شراً، كفاكم أطماعاً، كفاكم كذباً، كفاكم تَكبُّراً، ألم تتحرك ضمائركم لقتل كل هذه الأعداد من الأطفال فى قطاع غزة؟ ألم تتألموا لمشاهد الدماء التى تنتشر فى كل شوارع غزة والتى أصبحت مُجرد أطلال وأكوام تُراب؟
كيف طاوعتكم قلوبكم وأنتم ترتكبون كل هذه المجازر وكل هذه الجرائم فى حق أطفال ونساء وشيوخ غزة وهُم لا ذنب لهم ولا جريرة؟ ألم تستمعوا لـ«أنطونيو جوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة» وهو يقول: الشرق الأوسط على حافة الهاوية و«غزة» تنتظرها المجاعة وبها أشرس نزاع دموى فى العالم، هل يُرضيكم تحوُّل منطقة الشرق الأوسط من مقصد سياحى لكل سياح العالم إلى منطقة نزاعات دولية وطاردة للسياحة؟ يا دُعاة الحق والعدل والحرية والسلام، تحركوا لإيقاف طموح «بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل» الرامى لتوسيع الصراع وفتح عدة جبهات مع عدة أطراف فى وقت واحد لكى يجد لنفسه -هو وحكومته المُتطرفة- شماعة للفشل الذريع المُتكرر الذى يجنيه من جراء اتباعه سياسة خلق أعداء جُدد كل شهر وكل أسبوع وكل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية، فهو يريد النجاة بأى طريقة من المصير الذى ينتظره، ونحن نعلم هذا المصير وهو (إما السجن وإما السجن ولا ثالث لهما)، نعم المصير الذى ينتظر «نتنياهو» هو (السجن) فقط، فقد تَدخَّل فى القضاء وهَيمن على القرار وسيطر على الحكومة بديكتاتوريته المعهودة، والدليل على ذلك انتشار المظاهرات بصفة دائمة ضده فى شوارع تل أبيب والقدس والمُطالبة بسقوطه هو وحكومته.
سيذكُر التاريخ أن هناك من تمادى فى طغيانه وجبروته وجرائمه فى حق الشعب الفلسطينى، وسيأتى اليوم الذى نرى فيه هذا المجرم -الذى هدم غزة على رؤوس أهلها وقَتل أطفالها وشَرَّد مواطنيها وهَدم مُستشفياتها ومساجدها وجامعاتها ومدارسها ومقرات الحكومة بها- يقف فى قفص الاتهام ليُحاسب ويُحاكم ويُحبس، نعم سيأتى هذا اليوم قريباً جداً، وكما قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة المعارج -الآيتين ٥ و٦- بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّهُم يَرَونَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا) صدق الله العظيم.