مصطفى الكيلاني يكتب.. رحلة في عالم «جودر» الساحر
مصطفى الكيلانى
شهدت الدراما المصرية والعربية فى السنوات الأخيرة طفرةً ملحوظةً فى الجودة والإنتاج، ولعل مسلسل «جودر» خير دليلٍ على ذلك. فمنذ اللحظة الأولى لعرضه، استطاع المسلسل أن يخطف الأنظار ويأسر القلوب، حاصداً إعجاب النقاد والمشاهدين على حد سواء. فما الذى ميّز «جودر» عن غيره من المسلسلات، وما العناصر التى ساهمت فى نجاحه الباهر؟
أول ما يلفت الانتباه فى «جودر» هو القصة المشوقة التى صاغها السيناريست أنور عبدالمغيث ببراعةٍ فائقة. فالمسلسل يأخذنا فى رحلةٍ عبر الزمن، لنشهد صراعاً بين الخير والشر، وحبكةً دراميةً محكمةً لا تخلو من التشويق والإثارة. وقد نجح السيناريست فى خلق شخصياتٍ متعددة الأبعاد، لكل منها دوافعها وأهدافها، مما أضفى على القصة مزيداً من العمق والتشويق، مع خلق شكل جديد فى الحكى، يناسب القصة الأصلية، مع إضافات عصرية، مع تقديم المحتوى الأصلى لألف ليلة وليلة، والتى تعتمد معظم قصصها على غيرة وخيانة الأقربين.
وقد ساهم أداء الممثلين المتميز فى إضفاء الحياة على الشخصيات، فجاءت كل شخصيةٍ نابضةً بالحياة ومؤثرةً فى المشاهد. فقد استطاع كل ممثلٍ أن يتقمص دوره ببراعةٍ وأن ينقل مشاعر الشخصية وأحاسيسها إلى المشاهدين. حتى فى الأدوار الصغيرة، فلم تجد شخصية ثانوية ضعيفة، وقدم ياسر جلال الشخصيتين الرئيسيتين، «شهريار وجودر» بتمايز واضح بينهما، مع موهبة وليد فواز وياسر الطوبجى وأداء جيد لكل الممثلين، مع اختيار مواهب جديدة فى الأدوار الصغيرة، فلم نجد حتى فى المجاميع أى هنات.
ولا يمكن الحديث عن تميز «جودر» دون الإشادة بدور المخرج إسلام خيرى الذى استطاع أن يترجم السيناريو إلى مشاهد بصريةٍ ساحرة. فالمسلسل يتميز بإخراجٍ ديناميكى ومبتكر، يجمع بين اللقطات الواسعة والمشاهد القريبة، ويستخدم المؤثرات البصرية بشكلٍ مدروسٍ وفعال. وقد ساهم التصوير السينمائى الرائع فى إبراز جماليات الصورة، ونقل المشاهد إلى عالمٍ ملىءٍ بالسحر والخيال، مع إدارة محكمة للمثلين، واختيار مميز لأماكن التصوير الخارجى فى المغرب.
ولعل أحد أهم عناصر تميز «جودر» هو دقة الجرافيك الذى نفذته شركة «أروما» شريك الإنتاج، وجودة تصميم الديكور الذى صممه أحمد فايز، الذى تولى أيضاً الإشراف الفنى على العمل، استخدم المسلسل أحدث التقنيات فى مجال المؤثرات البصرية، فجاءت المشاهد الخيالية واقعيةً بشكلٍ مذهل. كما تم تصميم الديكورات بعنايةٍ فائقة، لتناسب أجواء المسلسل وتساهم فى نقل المشاهد إلى عالمه الساحر. وقد ساهم هذا الاهتمام بالتفاصيل فى إضفاء مزيدٍ من الواقعية على المسلسل، وجعل المشاهدين ينغمسون فى عالمه الخيالى، وكذلك ساهمت الأزياء التى صممتها منى التونسى لكل شخصية فى صناعة صورة أكثر إبهاراً.
وساهمت حرفية مدير التصوير تيمور تيمور فى جعل الصورة نابضة بالحياة، واستطاع مع المخرج إسلام خيرى والمونتير رحيب العويلى أن يجعلنا نستمتع بصورة لم نجدها مسبقاً فى أى عمل مصرى أو عربى، حيث اعتمد المخرج على صناعة كادرات معبرة تماماً عن مضمون الدراما مع استخدام الإضاءة المناسبة فى كل مشهد ولكل شخصية. موسيقى تتر البداية التى صنعها عزيز الشافعى، والموسيقى التصويرية التى ألَّفها شادى مؤنس فيها مزج عظيم ما بين حالة «ألف ليلة وليلة»، وموسيقى معاصرة، لم نعتدها مسبقاً فى أى تجربة لتقديم الفانتازيا الأشهر فى التاريخ، بل اعتدنا على سماع سيمفونية شهرزاد لكورساكوف فى معظم الأعمال السابقة، والتى أعطانا منها شادى مؤنس لمحة بسيطة فى الحلقة الأولى ولم يستخدمها تالياً.
يمكن القول بأن «جودر» قد نجح فى تقديم تجربةٍ دراميةٍ متكاملةٍ وممتعة، استطاعت أن تأسر قلوب المشاهدين وتنال إعجاب النقاد. فالمسلسل يجمع بين عناصر النجاح كافة، من قصةٍ مشوقة وإخراج متميز وأداء تمثيلى رائعٍ، فضلاً عن الجرافيك والديكورات المبهرة. ولا شك أن «جودر» سيظل علامة فارقة فى تاريخ الدراما المصرية والعربية، وسيُذكر كأحد المسلسلات التى ساهمت فى الارتقاء بالذوق العام وتقديم محتوى درامى عالى الجودة.
«جودر» هو عمل جماعى بامتياز، فقد ساهم فيه العديد من المبدعين المصريين، من كاتب ومخرج وممثلين وفنيين. وقد أبرز هذا العمل الجماعى الإبداع المصرى فى مجال الدراما التليفزيونية، وأثبت أن الدراما المصرية قادرةٌ على منافسة الدراما العالمية.
هو مسلسلٌ استثنائىٌّ بكل المقاييس، ويتفق الجميع على أن «جودر» هو التجربة الدرامية الأبرز فى رمضان 2024، وأنه عمل فنى متكامل يستحق المشاهدة والتقدير.