الدكتور يسري جبر يكتب: ذكرى بدر والثقة في الله
د. يسرى جبر
مر علينا 17 يوماً من شهر رمضان المبارك، وهو ذكرى يوم بدر العظيم.. يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، كما سماه الله عز وجل فى القرآن الكريم، ويوم بدر يبعث فينا الثقة فى الله عز وجل ونصرة هذا الدين، كذلك يبعث فينا حب النبى، صلى الله عليه وآله وسلم.
إذ لولا محبة الصحابة الكرام للنبى، صلى الله عليه وآله وسلم، ما تحملوا مثل هذه المواقف معه بل كانوا يستعذبون العذاب معه فكانوا يألمون فى الظاهر وفى الحقيقة يتنعمون بصحبة النبى، صلى الله عليه وآله وسلم. فالإنسان مع حبه لله عز وجل ولرسوله الحبيب، صلى الله عليه وسلم، تهون عليه كل صعوبة فى هذه الحياة بل يستطيع أن يواجه المصاعب كلها دون أن يهتز، بل الشدائد تزيده ثقة فى الله وتوكلاً على مولاه.
ثم بعد ذلك يظهر سبحانه وتعالى أنه هو الناصر على الحقيقة وليس العدة والعتاد.. فخرج الصحابة الكرام مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليقطعوا قافلة تجارية لقريش... فلم يكونوا يلبسون دروعاً وليسوا على استعداد تام للحرب ولا يوجد معهم أسلحة الحرب المعتادة، فأراد الله أن ينصرهم وهم متجردون من جميع الأسباب ليعلموا أن الله عز وجل هو الناصر على الحقيقة وأن النصر من عند الله العزيز الحكيم.. وأن الأسباب ما هى إلا مظاهر ونقاب لقدرته الفاعلة فيها وبها وبغيرها.
يقول الله تعالى: «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله»، فخرجوا يريدون العير والله يريد لهم النفير، ثم سماه الله عز وجل يوم الفرقان إذ فرق الله فيه بين الطائفة المؤمنة الثابتة التى لا تهتز ثقتها بالله رغم عدم وجود الأسباب الظاهرة التى تعتمد عليها وبين الطائفة الكافرة كثيرة العدد، فيوم الفرقان فرق الله فيه بين الحق والباطل وبين الإحسان والإساءة.
ثم كان من الكرامة أن أرسل الله عز وجل ملائكته لتحارب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عددهم كثيراً كما ذكر ربنا فى سورة آل عمران «إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ».
والعجيب أن الله كان يرسل ملكاً واحداً فى الأمم السابقة ليقضى على الكافرين.. فأهلك الله قرى قوم لوط بطرف جناح سيدنا جبريل وكان له ستمائة جناح.. ولكن كان يحارب سيدنا جبريل أمين وحى السماء وسيدنا ميكائيل وسيدنا إسرافيل، فلماذا أرسل الله كل هؤلاء الأعداد الغفيرة من الملائكة وعلى رأسهم سيدنا جبريل فى بدر؟؟ كان ذلك ليشرف الملائكة الكرام بالقتال مع النبى، صلى الله عليه وآله وسلم، فاجتمع أهل الإسلام والإيمان والإحسان والملائكة كلهم خلف أشجع الخلق على الإطلاق وهو سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم.. وهذا الشرف كان يفتخر به الصحابة الذين حاربوا فى بدر، فسأل سيدنا جبريل النبى، صلى الله عليه وسلم: ما تعدون الذين حاربوا منكم فى بدر؟ قال النبى: من أفضل المسلمين، فقال سيدنا جبريل: كذلك من شهد بدراً من الملائكة نعدهم من خيار الملائكة، فوجب على أمة الحبيب، صلى الله عليه وسلم، أن يتعلموا من حبيبهم الثبات والثقة فى الله عز وجل استمداداً واستلهاماً من بدر الكبرى.
وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.