تصطف الدفعة التى نقص عددها واختفت وجوه سبق أن تصدرت الصورة الأولى وصفحات المجلات العسكرية التى جمعتهم قبل يوم العاشر من رمضان عندما حلفوا اليمين على تحرير الأرض، اصطفت الدفعة بالملابس المدنية وأمامهم الأحفاد الذين يحتضنون أيديهم وأبناء مَن رحلوا وزوجاتهم.
الصورة تحمل الكثير من المعانى التى تحمل خطوطاً على الجبهة والوجنتين تكتب أرقام العمر ولحظات النصر وأيام الانتظار من أجل استرداد الكرامة والأرض والثأر لمن ذهب ولم يعد وسقط دفاعاً عن الشرف العسكرى.
والمفاجأة أن يحمل أحدهم صورة الدفعة يوم التخرج منذ أكثر من أربعين عاماً، وهى صورة تنبض بالشباب والأمل والفرحة والقامات العالية التى تتطلع للسماء وكأنها تبحث عن المستقبل بكل ما يحمل من أقدار، والفرق بين الصورتين كبير ومؤلم، فالأجساد حملت عشرات الكيلوات الزائدة والقلوب أوجعها الفقد وزاده الحنين والبحث عن الحب المفقود.
صورة الدفعة حكت قصص المجموعة «٣٧ قتال» وأبطالها وقصة أبطال البحرية الذين فجروا إيلات وهؤلاء أصحاب بطولة مطار ليرناكا وشهدائها ورجال الصاعقة وأبطال المهندسين وكبارى العبور ومن قبلهم أبطال ١٩٤٨، وقصة الفرقة ٩٩٩ قتال.
صورة الدفعة تشبه إلى حد كبير تلك المحفورة على جدران المعابد الفرعونية داخل الأهرامات وفى معبد الكرنك ومعبد حتشبسوت لأنها جزء من هذه السلسلة التى يشاهدها العالم حتى الآن ويترجمها علماء الآثار ويكتب عنها المختصون فى التاريخ المصرى القديم. أسفل أحد هذه النقوش كتب ما يحكى أن الجيش المصرى من أقدم الجيوش النظامية حيث تأسس قبل أكثر من ٥٢٠٠ عام وكان ذلك بعد توحيد الملك نارمر لمصر حوالى عام ٣٢٠٠ ق م، وتقول المخطوطات إنه قبل ذلك كان لكل إقليم من الأقاليم المصرية جيشاً خاصاً به يحميه، لكن بعد حرب التوحيد المصرية أصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر.
واستكمالاً لمسيرة الجيش المصرى وأبطاله على مر العصور، يذكر أن المصريين أنشأوا أول إمبراطورية فى العالم بفضل الجيش المصرى وهى الإمبراطورية المصرية الممتدة من تركيا شمالاً إلى الصومال جنوباً ومن العراق شرقاً إلى ليبيا غرباً، وكان المصريون هم دائماً العنصر الأساسى فى الجيش المصرى وما زالت حتى الآن بعض الخطط المصرية القديمة تدرس فى أكاديميات العالم ومصر. وقد اكتسب الجيش المصرى على مدار تاريخه قدرات هائلة على الصمود والنهوض مجدداً بعد كل كبوة، ولا أدل على ذلك ما حدث فى ٥ يونيو عام ١٩٦٧ وهزيمته فى معركة لم تتح له فيها فرصة القتال الحقيقى، حيث كان للميراث التاريخى دور كبير فى صمود جيش مصر وظهر معدن المقاتل المصرى بعد أيام من النكسة وبالتحديد فى أول يوليو ١٩٦٧، كما ظهر فى ملحمة «رأس العش» ومن بعدها تدمير المدمرة إيلات قبالة سواحل بورسعيد باستخدام لانشات الصواريخ لأول مرة فى التاريخ العسكرى البحرى وملحمة بناء حائط الصواريخ بأيدى مدنيين وعسكريين وفنيين.
كما مهدت حرب الاستنزاف الطريق لجيش مصر لخوض أعظم معاركه فى التاريخ الحديث وهى معركة العبور عندما تغلب الجيش المصرى على أكبر مانع مائى فى تاريخ الحروب وإهالة الساتر الترابى وتحطيم خط بارليف الحصين الذى وصف بأنه أقوى من خط ماجينو.
وإذا تأملنا وشاهدنا صورة الدفعة الأولى على جدران المعابد فسنجد العديد من القادة العظماء الذين امتازوا بأنبل العقول العسكرية وعلى رأسهم الإمبراطور تحتمس الثالث أول إمبراطور فى التاريخ وهو الذى أنشأ الإمبراطورية المصرية وفى رصيده العديد من المعارك والحروب، أشهرها معركة مجدو التى ما زالت تدرَّس حتى الآن، والقائد أحمس قاهر الهكسوس، والبطل صلاح الدين الأيوبى الذى قاد الجيوش فى معركة تحرير مدينة القدس من أيدى الصليبيين وكان الجزء الأكبر من جنوده من المصريين، كما كان للقوات المصرية دور كبير فى هزيمة المغول الذين دمروا الدولة الإسلامية العباسية بقيادة القائد قطز.
ولا ينسى التاريخ العسكرى القديم معركة مجدو ١٤٦٨ ق م التى خاضها الجيش المصرى وكانت ضد الكنعانيين الذين استولوا على مجدو وهى تل المسلم حالياً وتقع شمال فلسطين، ومعركة قادش ١٢٨٥ وهى المعركة الشرسة التى دارت بين الجيش المصرى بقيادة الملك رمسيس الثانى والحيثيين بقيادة موالى على أرض قادش فى سوريا، ومعركة حطين عام ١١٨٧ وهى من أهم المعارك التاريخية التى خاضها جيش المسلمين وتحت لوائه جيش مصر بقيادة صلاح الدين الأيوبى ضد الصليبيين. الصور بالمئات والدُّفعات تساويها فى العدد والمعارك مسجلة والبطولات مكتوبة فى أوراق التاريخ، فتحية كبيرة لأبطال الصورة وأبنائهم وأحفادهم.