حكاية 11 سبتمبر 2013 يوم غلق كوبرى السلام.. وبدء "طوابير المعديات"
11 سبتمبر.. يوم محفور فى ذاكرة أهالى سيناء، ليس لأنه يوم هجمات أيلول الأسود، وتدمير برجى التجارة العالميين، ولكن لأنه كان علامة فارقة فى معاناتهم، بعد غلق كوبرى السلام بصورة دائمة فى هذا اليوم من عام 2013، بعد استهداف مبنى المخابرات الحربية فى مدينة رفح، لتبدأ قصة «سيزيف» مع «طوابير المعديات».
وقالت مصادر أمنية يومها إن غلق الكوبرى يأتى لإحكام السيطرة الأمنية على سيناء، وتأمين مجرى قناة السويس الملاحى، مشيرة إلى أن القوات قامت اعتباراً من هذا اليوم بتحويل مسار السيارات القادمة إلى سيناء والعكس إلى طريق المعديات القديم، لتعود المعاناة القديمة، ويصطف الأهالى من المرضى والأطفال والنساء وكبار السن، فى طوابير الانتظار.
وضاعفت الأحداث التى أعقبت عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، من معاناة الأهالى، فمع تصاعد العمليات الإرهابية، لجأت قوات الأمن لنصب نقاط تفتيش قبل وبعد معديات القنطرة والإسماعيلية، بعد إغلاق معدية الفردان أيضاً من 5 شهور، بسبب أعمال الحفر فى قناة السويس الجديدة، ما أدى لوقوف السيارات بالساعات للانتقال بين ضفتى القناة.
«محمد جدوع» سائق، يقول: كنا فى السابق لا نعمل حساباً للطريق، فكان الانتقال بين ضفتى القناة عبر كوبرى السلام، لا يأخذ من وقتنا إلا 5 دقائق على الأكثر، نصعد من خلالها لسماء القنطرة، ونكون بعدها فى البر المقابل، وكانت المسافة بين موقف المرج بالقاهرة والعريش لا تستغرق سوى 4 ساعات على الأكثر، والآن الطريق أصبح بمثابة معاناة متكررة يومياً، فبات علينا الوقوف ساعات أمام المعديات، حتى إن اليوم كله قد يضيع فى سفرية واحدة.
وتابع أشرف قويدر، أحد السائقين بالعريش: نسابق الزمن فى الطريق لكى نتمكن من الوصول إلى العريش قبل بدء ساعات الحظر، لنبيت فى بيوتنا، وغالباً لا نتمكن من ذلك بسبب شدة الزحام على المعديات.
وعن معاناته مع المعديات، يقول حمدان سليمان، من أهالى الشيخ زويد: تلقيت اتصالاً من أخى الكبير أخبرنى فيه بوفاة عمى المسن ليلاً، وقال إنهم أجلوا الجنازة حتى بعد صلاة العصر، لكى يتمكن الجميع من الحضور، فخرجت بسيارتى مسرعاً منذ ساعات الفجر الأولى، أنا وأفراد أسرتى لكى نتمكن من حضور مراسم تشييع جنازة عمى، ووصلت بالفعل قبيل التاسعة على معدية القنطرة غرب بنطاق الإسماعيلية، فوجدت 3 طوابير للسيارات، كل طابور به 300 سيارة على الأقل، وظللت لأكثر من ساعتين أحاول إقناع الجنود بالسماح لى بالعبور متجاوزاً الطابور، حتى إن أحد المجندين حينما مل من سماع أعذارى حولنى للضابط، الذى ابتسم وهز رأسه رافضاً، قائلاً «هذا ليس مبرراً كافياً.. رحم الله عمك»، وتركنى وانصرف.
وأضاف حمدان: قضيت 6 ساعات بالتمام، والكمال، على المعدية والتفتيشات حتى وصلت لقرية الروضة، فقال لى أحد الأشخاص إن كمين الميدان لن يسمح لك بالعبور أو العودة، لأن الساعة تجاوزت الخامسة عصراً، وكان وقتها يبدأ الحظر من الخامسة مساء حتى السابعة صباحاً، فقلت له ما العمل؟ فقال إن إحدى زوايا الشيخ عيد أبوجرير بالروضة فتحت مجلسين، أحدهما للنساء والآخر للرجال العالقين بالطرق، وبالفعل ذهبت إلى زاوية الشيخ عيد بالروضة، واستضافنى الناس أنا وأسرتى حتى الصباح، ولم أتمكن من حضور جنازة عمى.
بدورها، قالت «أم محمد» إن رجال الأمن على المعدية مهذبون ويتفهمون تماماً حال الناس، مضيفة: حينما نزلت للضابط وأخبرته أننى مريضة، ولا أقوى على الوقوف فى طابور السيارات الطويل، سألنى: هل معك ما يثبت أنك ذاهبة للطبيب فى القاهرة؟ فأعطيته روشتة الطبيب وتحويل مستشفى العريش، وأمر المجند بالسماح لسيارتنا بالمرور، رغم أننا كان أمامنا طابور يمتد لأكثر من 3 ساعات.
وحول أسباب التأخر فى طوابير المعديات، يقول ياسر على: الجنود وهم غالباً من حرس الحدود، يقومون بتفتيش السيارات والركاب واحداً واحداً، وبالفعل يتمكنون من ضبط ممنوعات، ففى شهر فبراير الماضى، ضبطوا 2 كيلو هيروين فى سيارة «فيرنا»، واعترف السائق أنه كان سيبيعها لتاجر فى الشرقية، كما تكرر الأمر عندما اشتبه الجنود فى تاجر خضار بربع نقل وبتفتيشه ذاتياً تبين أن معه قطع حشيش، واعترف أنه يتاجر فى الممنوعات.
وأضاف: الحقيقة أنه كما يقول الناس إن «البطال أخد المحترم فى سكته»، وتساءل: كيف يعرف رجل الأمن أن هذا الشخص مظلوم إلا حينما يتم تفتيش الجميع، والمساواة فى الظلم عدل.
فى المقابل، رأت أزهار على، المرشحة على قائمة حزب النور فى الانتخابات الماضية، أنه لا يوجد أى مبرر لإغلاق كوبرى السلام، وقالت إنها من «بالوظة» التى تبعد عن معدية القنطرة ما يقرب من 35 كيلومتراً، ولكنها تقف بالساعات كلما أرادت زيارة ابنتها فى الإسماعيلية.
وفى حل لمشكلة زحام السيارات على المعديات، تقول إيمان على، إحدى السيدات القادمات من العريش فى طريقها إلى القاهرة: اعتدت بعد غلق كوبرى السلام، والتفتيشات والزحام الشديد على معديات السيارات، على ركوب سيارة إلى القنطرة فقط، والترجل والانتقال للضفة الأخرى فى معدية الأفراد، ثم المشى مسافة 1 كيلومتر فى البر الغربى للقناة، وركوب سيارة ثانية إلى القاهرة، ونفس الأمر أقوم به فى طريق العودة، لكن هذا الحل يكون صعباً على هؤلاء الذين يصطحبون أطفالاً وأمتعة أخرى، لأنهم سيمشون مسافة طويلة، ناهيك عن تسلق معدية الركاب وخطرها على الصغار.
وعن طرقهم لتلافى الزحام والوقوف بالساعات فى الطوابير، يقول أبومجدى، سائق من العريش: بعد غلق كوبرى السلام، وبدء معاناتنا على معديات القنطرة والإسماعيلية، بدأت سلوك طريق بالوظة بورفؤاد، ومنها أعود مرة أخرى إلى بورسعيد، ثم أعرج إلى القنطرة وطريق الإسماعيلية، ورغم أن هذا الطريق الالتفافى أطول بما يقرب من 100 كيلومتر، عن طريق المعديات، فإن أغلب الركاب يوافقون على زيادة بسيطة فى الأجرة، مقابل تلافى الزحام.
وأضاف: ومع ذلك قابلتنى مشكلة فى إحدى المرات، عندما لم تصدق قوة كمين بورفؤاد أننا نتخذ هذا الطريق الطويل من أجل تفادى الزحام وساعات الانتظار على معديات القنطرة والإسماعيلية، فتم تحويلنا إلى قسم الشرطة وبتنا ليلتنا بشكل اشتباه، وقضى أحد الركاب يومين فى السجن وعاد مرحلاً إلى العريش، فلم نحاول إعادة تجربة بورسعيد مرة أخرى.
ولتلافى الزحام أيضاً، لجأ أهالى سيناء العاملون فى شركات البترول بمحافظات أخرى مثل الفيوم ومطروح والسويس، إلى تغيير نظام عملهم ليعملوا بنظام أسبوع عمل وأسبوع إجازة.
يقول إبراهيم أبوعبدون، من أهالى الشيخ زويد، الذى يعمل بشركة البترول فى مطروح: أخرج من شركتى فجر الثلاثاء بالطائرة إلى القاهرة، وأكون أمام معدية القنطرة فى تمام التاسعة أو العاشرة صباحاً، وأجلس فى الطابور بالساعات أنا وزملائى السبعة، وغالباً نأخذ سيارة مخصوص لكى نتمكن من الوصول إلى العريش قبل ساعات الحظر، فغالباً ندخل العريش قبيل السابعة ونبيت ليلتنا فى العريش، ونسافر فى اليوم التالى إلى بيوتنا فى الشيخ زويد ورفح، ونفس الموضوع يحدث معنا أثناء عودتنا إلى مطروح مرة أخرى، وهو ما يعنى أننا نخسر يومين من أسبوع الإجازة بسبب السفر وزحام المعديات.
وأضاف: لكننا لا نعانى كثيراً على الكمائن مثل السيارات الأخرى، لأننا موظفو بترول، فإن الكمائن تفتشنا بشكل خفيف فقط مع ابتسامات خفيفة من الجندى المكلف.
«كلما زادت العمليات الإرهابية فى سيناء زاد الإغلاق والتفتيش، وكلما قل قلت الإجراءات ولكن يبقى الزحام والتفتيش»، هذا ما قاله محمد عمر من أهالى رفح، الذى يعمل مندوب مبيعات بين الإسماعيلية والعريش، مضيفاً أنه يوم استهداف المقرات الأمنية بالعريش، قامت القوات بتعطيل المعديات لساعات طويلة ولم يجرؤ أحد من الأهالى أو السائقين أن يتكلم كلمة واحدة، بسبب ما حدث.