نعم الأسعار ارتفعت فى كل دول العالم، وفى القلب منه مصر، نتيجة الحروب والصراعات وجائحة كورونا.. نعم نحن نعانى أكثر من غيرنا لأننا توارثنا أزمات اقتصادية طاحنة وخضنا حرباً ضارية ضد الإرهاب اللعين استمرت 10 سنوات أو يزيد وبلغت خسائر الدولة أكثر من 450 مليار دولار فى أحداث 2011.. ومواجهة الإرهاب تكلفت 120 مليار جنيه.
نعم تضررنا كثيراً بسبب جائحة كورونا ونجحنا فى عبور الأزمة لتلاحقنا توابع الحرب الروسية - الأوكرانية وتوقف سلاسل الإمداد واستيراد القمح من أكبر دولتين منتجتين للقمح هما الدولتان طرفا الحرب، وقبل أن تضع الحرب الروسية - الأوكرانية أوزارها اندلعت، منذ أكثر من 3 شهور، الحرب الإسرائيلية على غزة ليكون تأثيرها أكثر ضرراً لمصر، وجميعنا نعلم ما أصاب دخل قناة السويس بسبب ضربات الحوثيين التى أجبرت كبرى شركات النقل العالمية على تغيير مسارها من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، مما أثر بالسلب على إيرادات القناة التى فقدت ثلث دخلها من العملات الصعبة.
نعم الأزمة الاقتصادية حاضرة والدولة تتعامل معها بحكمة واقتدار، ورغم كل ذلك فالحمد لله السلع متوافرة ولم تنقص من الأسواق ولدينا مخزون استراتيجى كبير، لكن أزمة ارتفاع الأسعار وعدم استقرارها تؤرق الجميع، فعلى الرغم من تحركات الحكومة الجادة لخفض الأسعار وإطلاق المبادرات لتخفيض الأسعار، فإن هناك عدم التزام من قبَل بعض التجار معدومى الضمير الذين يرفعون الأسعار بشكل مبالغ فيه، مدعين أن سبب رفع الأسعار ارتفاع سعر الدولار حتى لو كانت هذه السلع لا علاقة لها بالدولار.
الواقع أكد أن جشع التجار وكبار المستوردين واستغلال الظروف وغياب الرقابة كان من أهم أسباب تفاقم الأزمة الاقتصادية.. وخلال الشهور القليلة الماضية بدأنا نسمع عن حيتان السكر وحيتان العملة الصعبة وحيتان الذهب.. وتنبهت الدولة لذلك وبدأت فى ملاحقة هؤلاء الحيتان وتفعيل آليات ضبط الأسواق ومحاربة المحتكرين والمتلاعبين فى أقوات الشعب، وحيتان العملات الصعبة للسيطرة على الأمور التى كادت تخرج عن السيطرة.
وانطلقت حملات وزارة الداخلية بجميع إداراتها، خاصة مباحث الأموال العامة ومباحث التموين ومديريات الأمن وقطاع الأمن العام، بتوجيهات حاسمة من اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، لملاحقة المتاجرين بقوت الشعب، الذين يتلاعبون فى أسواق السكر والذهب والعملة لتعطيش الأسواق وتحقيق مكاسب مهولة.
رأينا أسواق الذهب وهى تشهد حالة من الاضطرابات نتيجة التلاعب فى الأسعار من قبَل «حيتان الذهب»، الذين تسببوا فى تعطيش السوق لرفع سعره.. لم تقف الدولة مكتوفة الأيدى فتم توجيه حملات موسعة ضد جشع تجار الذهب وألقت الأجهزة الأمنية القبض على عدد من التجار، وعلى رأسهم «إمبراطور الذهب»، الذى يعد من أهم وأكبر تجار الصاغة بمنطقة الجمالية وعثر بحوزته على كميات كبيرة من المشغولات الذهبية و122 مليون جنيه وسط شائعات عن شراكته مع سيدة أعمال معروفة أصبحت حديث وسائل التواصل الاجتماعى التى لقبتها بـ«أميرة الذهب»، حيث إنها أشهر بائعة ذهب فى مصر لكنها خرجت على الجميع ونفت ذلك جملة وتفصيلاً.. تم اتهام «إمبراطور الذهب» بعمليات تهريب ومسئوليته عن الأزمات التى تشهدها سوق الذهب والتلاعب الفج فى الأسعار، بجانب ابتزاز التجار الصغار وتحديده لسعر الذهب وفق سعر الدولار بالسوق السوداء، وتواصل أجهزة وزارة الداخلية ومباحث الأموال العامة جهودها المستمرة فى مكافحة التلاعب فى أسعار الذهب، وذلك فى إطار سياسة الحكومة لمواجهة جميع أشكال الجريمة والخروج عن القانون، خاصة فيما يتعلق بتلاعب التجار والمتورطين فى قضايا الذهب.
وبعد توجيه الدولة ضربات قوية لأباطرة وحيتان الذهب المتحكمين فى سعره والمتسببين فى وصول سعر الجرام منه لأرقام قياسية غير مسبوقة وجهت الدولة أيضاً نفس الضربات لتجار الدولار فى السوق السوداء.. شنت وزارة الداخلية حملات على تجار النقد الأجنبى فى السوق السوداء، الذين تسببوا بمضارباتهم فى رفع سعر الدولار لأرقام غير مسبوقة، حيث يقومون بإخفاء العملة عن التداول والإتجار بها خارج نطاق السوق المصرفية، وتمكنت أجهزة الأمن من ضبط أكثر من 60 تاجر عملة يعملون لصالح حيتان كبار، وضُبطت بحوزتهم ملايين الدولارات وكل العملات تمهيداً لبيعها بأسعار قياسية، وما زالت حملات الشرطة مستمرة لملاحقة حيتان العملة المسيطرين على السوق والمتحكمين فى تحديد الأسعار تمهيداً لمحاكمتهم.
كما واصلت وزارة الداخلية جهودها لملاحقة المتهمين بغسل أموالهم القذرة فى مشاريع اقتصادية رغم أنها متحصلة من الإتجار بالنقد الأجنبى خارج نطاق السوق المصرفية، وكذلك الذهب والمخدرات، ومحاولتهم صبغ هذه الأموال بالصبغة الشرعية، وإظهارها وكأنها ناتجة عن كيانات مشروعة عن طريق شراء الوحدات السكنية والسيارات وتأسيس الشركات، وضبطت أجهزة الأمن 35 من كبار الأثرياء بتهمة غسل ملايين الجنيهات.
حتى السجائر لم تخلُ من الجشع والاحتكار والمضاربة فى الأسعار.. لذلك قامت وزارة الداخلية بالعديد من الحملات على تجار ومافيا التبغ والسجائر الذين يقومون بإخفاء السجائر عن المستهلكين لتعطيش الأسواق ومن ثم رفع الأسعار، وتم ضبط كميات هائلة من السجائر المهربة والمجهولة، خاصة بالإسكندرية، حيث نجحت مباحث الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة فى ضبط العديد من المخازن المكدسة بالسجائر لتخفيض المعروض منها، ورفع أسعارها بقصد تحقيق أرباح غير مشروعة.
ومن أجل إحكام الرقابة وملاحقة هؤلاء الحيتان قدمت الحكومة قانوناً وافق عليه مجلس النواب منذ ساعات يسمح بإحالة المتورطين فى ارتكاب جرائم إخفاء السلع الاستراتيجية أو افتعال أزمات تتعلق بحجب السلع الأساسية إلى القضاء العسكرى.
وختاماً فإننا نعلم يقيناً الاستغلال وارتفاع الأسعار الجنونى الناتج عن جشع التجار بالرغم من أن السلع جزء كبير منها منتج مصرى، الأمر الذى ما كان يجب أن تصل إليه هذه المنتجات بهذه الصورة من الغلاء.
لذلك فإننى ومعى ملايين المصريين البسطاء نطالب بالضرب بيد من حديد على يد التجار الجشعين الذين يستغلون المواطن البسيط، الذى لم يعد يتحمل هذه الزيادات، وأكثرهم لا يستطيع الحصول على ما يكفى قوت يومه، وأصبحت موارده غير قادرة على كفاية احتياجاته اليومية البسيطة.. نقولها بكل صدق: مواجهة التجار الجشعين واجب وطنى.