م الآخر| قانون تلفيق التهم!
حديث الرئيس السيسي المتوالي عن حروب الجيل الرابع، وأثرها ومخاطرها فى زعزعة استقرار الأوطان عن طريق نشر الإشاعات، كان بمثابة إشارة البدء لوزارة العدل لإعداد مشروع قانون « مكافحة جرائم تقنية المعلومات»، والذي انتهت الوزارة من إعداده وأحالته مؤخرًا إلى قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعته قانونيًا ودستوريًا.
وزارة العدل قالت في المذكرة الإيضاحية المرفقة بمشروع القانون، إن جرائم تقنية المعلومات تتسم بمجموعة من الخصائص تجعلها مختلفة تمامًا عن الجرائم التقليدية، باعتبارها سريعة الحدوث، واسعة الأثر، وتتسم بالخسة لأن الجاني لايواجه ضحيته ويتعمد دائمًا التخفي .
مشروع القانون جاء في 38 مادة تناولت المادة الأولى منها: وضع تعريفات لمجموعة من المصطلحات الأساسية الحديثة في مجال تكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات، من بينها مصطلح «تقنية المعلومات» نفسه، والذي عرفه القانون على أنه وسيلة أو مجموعة وسائل مترابطة أو غير مترابطة تستخدم لتخزين، واسترجاع، وترتيب، ومعالجة، وتطوير، وتبادل المعلومات أو البيانات، ويشمل ذلك كل ما يرتبط بالوسيلة أو الوسائل المستخدمة سلكيا أو لاسلكيا، كما عرف القانون «مزود الخدمة»، باعتباره أي شخص طبيعي أو معنوي يزود المستخدمين بخدمات للتواصل بواسطة تقنية المعلومات، ويشمل ذلك من يقوم بمعالجة أو تخزين المعلومات نيابة عن مقدم خدمة الاتصالات أو المعلومات، وقام القانون بتعريف «البيانات» و«البرنامج المعلوماتي»، و«النظام المعلوماتي»، وغيرها من المصطلحات مثل «الشبكة المعلوماتية» و«الموقع».
كعادتي كصحفي عندما يقع تحت يدي مشروع قانون أبحث على الفور عن العقوبات، فمشروع هذا القانون يحتوى على العديد من نصوص الحبس ومنها على سبيل المثال لا الحصر: عقاب جريمة الدخول على نظم معلوماتية مملوكة للدولة دون إذن بالحبس مادة لا تقل عن سنتين، كما جرم مشروع القانون ما سماه تعطيل أو تدمير أو حذف أو تغيير البرامج أو المعلومات المخزنة أو المعالجة على الحاسب الآلي، وجعل عقوبتها الحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، وتكون العقوبة السجن إذا كانت تلك المعلومات تخص الدولة.
وشمل القانون عقوبات لمخترقي البريد الإلكتروني للأشخاص والهيئات أو عملية السطو الالكتروني على تصميمات المواقع أو إفشاء أسرار العملاء وشمل القانون عقوبات لموردي الخدمة فى حال إفشائهم أسرار العملاء أو القائمين على إدارة المواقع في حال تجاوزهم .
كل ما فات من عقوبات ونصوص نعتبرها نحن مستخدمى الشبكة العنكبوتيه منطقية طالما طالبنا بيها عشرات المرات وفي كل المحافل.
لكن المشرع في المادة 19 من مشروع القانون، منح لجهات التحري والضبط المختصة، إذا ما رصدت مواقع تبث من داخل الجمهورية أو خارجها، بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام، أو أي مواد دعائية، أو غيرها، من شأنها تهديد الأمن القومي، أن تعرض محضرا بذلك على جهات التحقيق وتطلب الإذن بحجب الموقع أو المواقع محل البث، أو حجب بعض روابطها.
وأنه يجوز في حالة الاستعجال لوجود خطر حال وضرر وشيك الوقوع من شأنه تعريض أمن البلاد للخطر، أن تخطر جهات التحري والضبط المختصة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات كتابة ليقوم على الفور باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحجب الموقع .
وعلى جهة التحري والضبط الطالبة ( الشرطة ) أن تعرض محضرًا تثبت فيها ما تم من إجراءات، وفق الفقرة السابقة، على جهات التحقيق وذلك خلال ثماني وأربعين ساعة من تاريخ الإخطار الذي وجهته للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وتتبع في هذا المحضر ذات الإجراءات المبينة بالفقرة الثانية من هذه المادة، وتصدر محكمة الجنايات قرارها، في هذه الحالة، إما بتأييد ما تم من إجراءات حجب أو إلغائها.
ونصت المادة 23 من القانون على أن تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد إذا وقعت أي جريمة بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو تعريض حياة المواطنين وأمنهم للخطر، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، أو ازدراء أحد الأديان السماوية، أو الاعتداء على أي من الحقوق والحريات التى يكفلها الدستور.
بعد أن استعرضت بعض مواد القانون ودباجتها القانونية، أوكد أن مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات كارثي وصياغته المطروحة مطاطة وتفتح المجال لتلفيق التهم وتكييفها لتقييد الحريات، وهناك بعض المواد الفضفاضة، كما أن تغليط العقوبات أشعرني أن هناك سوء نية والعمل إعادة فكرة القمع الإلكتروني .
لم أرفض أن يكون هناك قانونًا ينظم هذا الفضاء الإلكتروني الملئ بالتحريض على العنف والكراهية والشائعات، لكن ليس هذا القانون والذي ذكرني بقانون المدونة الإلكترونية التي قدمتها وزارة الاتصالات بالمملكة المغربية قبل عامين ولاقت رفض كبير من نشطاء الانترنت وتم إيقافها .
الحكومة وهي مقدمة القانون تستغل الظروف الأمنية الحالية وتسعي لوضع قوانين مقيدة، وعلينا ألا نقع فريسة للدعاية الوهمية لمثل تلك القوانين ، فحماية الأمن القومي ومصالح المواطنين وأمنهم لا يتم بملاحقة الأراء والمعارضة وتكميم الأفواه، وهذا القانون يصنع مستقبلًا مظلمًا لحرية الرأي والتعبير في مصر.
أطالب رئيس الجمهورية بعدم إصدار هذا القانون بتلك الصورة، ومن الأفضل انتظار البرلمان المقبل لأن هذا القانون يخص 50 مليون مصري يستخدمون الإنترنت، فانا أرب بك -سيادة الرئيس- أن تصدر قانون تم تكييفه لإرهاب أصحاب الرأي، و على نشطاء الإنترنت أن يفطنوا لهذا القانون التى يحوى العديد من الألغام والتحرك سريعًا وشن حملة مضادة لمنع إصداره.