هل ينجح مشروع العاصمة الإدارية الجديد في تخفيف التمركز السكاني بمصر ؟
"العاصمة الإدارية الجديدة".. تعد من أهم الأطروحات التي نتجت عن المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد بشرم الشيخ في الفترة من 13 ـ 15 مارس الماضي.
ونشر المركز الإقليمي للدارسات الاستراتجية دراسة للباحث أول في الدراسات الاقتصادية إبراهيم إبراهيم الغيطاني تحت عنوان: "هل ينجح مشروع العاصمة الإدارية بتخفيف التركز السكاني في مصر؟".
وأشارت الدراسة، إلى متطلبات رئيسية لنجاح الشمروع، الذي سيخلق حيز عمراني جديد، و"من المتوقع أن تُنعِش نمو القطاعات الاقتصادية المختلفة، وعلى رأسها القطاع العقاري.
ولكن في المقابل، فإن نجاحها في إعادة تموضع التركز السكان بمصر، لا يتوقف على مجرد عاصمة جديدة فقط، بل يرتبط بقضايا أوسع، كاللا مركزية الإدارية والمالية، والتوزيع العادل للفرص الاقتصادية في باقي محافظات مصر".
1- أولويات اقتصادية:
تمويل العاصمة الجديدة سيتم من خلال شركة إماراتية، ومن ثم فلن يُحمِّل الدولة أي أعباء تمويلية جديدة، هذا يبدو صحيحًا، لكن من ناحية أخرى، فمع التسليم بنجاح العاصمة الجديدة في تحقيق أهدافها، فإن انغماس الحكومة في تنفيذ مشروعات كبيرة الحجم، لا يجب أن يغنيها عن تنفيذ إصلاحات ملحة تعظِّم فرص التنمية الشاملة، كإصلاح نظامي التعليم والصحة، وتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة التي تعزز تنافسية الاقتصاد المصري.
والجدير بالذكر أن ذاكرة التاريخ تدلنا إلى أن المشروعات كبيرة الحجم في تاريخ مصر الاقتصادي شهدت إخفاقات كبيرة (كمشروع توشكى)، ويجب التأكيد أن عملية نقل العاصمة القديمة إلى موقع جديد يُعد مشروعًا يتعلق بمستقبل أمة، وهو ما يتطلب مشاركة المواطنين في مجموعة واسعة من النقاشات عن أهمية تنفيذ المشروعات، وتحفيزهم على النقل إلى العاصمة الجديدة.
2- تخفيف الكثافة السكانية:
إن فرضية أن العاصمة الإدارية الجديدة، المقدر لها أن تستوعب 5 ملايين شخص، ستنجح في تخفيف الكثافة السكانية بالقاهرة الكبرى؛ لا بد أن نأخذها بكثير من الحيطة والحذر؛ فتحقق مثل هذا الهدف يتطلب تلاشي الإخفاقات الحكومية في جذب السكان إلى المدن الجديدة بمصر بأجيالها الثلاثة.
وأن الأمر لا يتعلق بقضية معروض عقاري أكثر من كونها كيفية تحفيز الطلب على السكن بالعاصمة الجديدة، من خلال تيسير طرق تمويل الوحدات السكانية، ووجود بنية تحتية قوية، وشبكات مواصلات تربطها بالمواقع المختلفة بالبلاد، كذلك فإن قضية توزيع التركز السكاني ترتبط أكثر بشمول عملية التنمية الاقتصادية لمختلف المحافظات المصرية؛ ما يجعلها محافظات جاذبة لا طاردة، وهو ما يتطلب إعادة النظر مرةً أخرى في طريقة توزيع الموارد والاستثمارات والخدمات.
3- الموقع الجغرافي للعاصمة:
تشير التجارب الدولية إلى أن تحديد موقع العاصمة الجديدة يختلف قربًا أو بُعدًا عن العاصمة القديمة بتباين الفلسفة التي تقف خلف نقل العاصمة؛ فالتجربة البرازيلية في نقل العاصمة إلى وسط البلاد (برازيليا)، يرجع إلى أن المنطقة الوسطى من البلاد كانت تعاني من فجوة تنموية وقت الاستعمار البرتغالي؛ وذلك على عكس المناطق الساحلية.
وعلى النقيض، أعادت ماليزيا تموضع عاصمتها الجديدة بمسافة تبعد 25 كيلومترًا فقط عن العاصمة القديمة. ويمكن القول بأن الموقع الحالي للعاصمة الجديدة لمصر الذي يبعد عن العاصمة بنحو 45 كيلومترًا، يُسهِّل أكثر انتقال السكان إليها، كما أنه يقترب من إقليم قناة السويس؛ حيث من المقرر إتمام مشروع محور تنمية قناة السويس خلال السنوات المقبلة؛ ما سيُمثِّل بوابة خلفية للمشروع.
3- تخمة عقارية:
عند الحديث عن مثل هذا المشروع الضخم، لا بد من القول إنه على قدر ما سيخلق من فرص كبيرة لانتعاش قطاعات اقتصادية مختلفة، على رأسها القطاع العقاري والقطاعات المكملة الأخرى، مثل قطاعات مواد البناء والأجهزة المعمرة، ومن ثم من المتوقع أن يكتسب القطاع العقاري زخمًا كبيرًا على الأمدَيْن القصير والمتوسط، مع دخول هذه العاصمة الجديدة.
ولكن اللافت للنظر أن إنشاء نحو 1.1 مليون وحدة ربما يثير إشكالية وفرة في المعروض العقاري، في ظل الزخم المتوقع للعديد من المشروعات الأخرى التي تقوم بها مختلف الشركات العقارية، وربما يمكن تغذية هذا العرض الكبير من خلال تنشيط صادرات العقارات.
4- إصلاح الجهاز الإداري:
إن نقل الأجهزة الإدارية إلى مواقع جديدة بالعاصمة الإدارية الجديدة، لا يعني بالضرورة رفع الجهاز الإداري للدولة، بل يتطلب الأمر جهدًا أوسع في تغيير البنية التشريعية لنظام الخدمة المدنية بجانب تغيير الثقافة التنظيمية، ومزيدًا من رفع كفاءة مهارات الموظفين العموميين.
وحتى لا يتكرر تركز الخدمات الإدارية للدولة في العاصمة الجديدة؛ فمن الأولى من الآن الإسراع في تحقيق اللا مركزية المالية والإدارية بمصر.