جرائم القتل تهدد شرعية إسرائيل وتعرّضها للمساءلة العالمية
وفد «جنوب أفريقيا» أثناء جلسة محاكمة إسرائيل أمام «العدل الدولية» «صورة أرشيفية»
أكد خبراء وسياسيون الآثار الكبيرة، القريبة وبعيدة المدى، للدعوى القضائية التى أقامتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية، وتتهمها فيها بتهمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، مشيرين إلى أن من بين تداعياتها عرض وتوثيق جرائم إسرائيل على العالم بشكل أكثر، ونسف الأساطير التى تستند إليها باعتبارها ممثلة لضحايا أكبر إبادة جماعية من النازية، والتأكيد فى المقابل على أنها صارت المرتكب الأكبر لهذه الجريمة.
«بهاء الدين»: المحاكمة خطوة فارقة فى تثبيت حقيقة أن «تل أبيب» صارت المرتكب الأكبر لجرائم الإبادة
واعتبر د. زياد بهاء الدين، أستاذ القانون ووزير التعاون الدولى الأسبق، أن هذه الدعوى لها قيمة وأثر كبيران من عدة نواحٍ، حيث إن مجرد نظر المحكمة للدعوى وطلب إثبات ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وتقديم الملف والمرافعات المؤيدة له أفسح المجال لطرح الموضوع وتوثيقه رسمياً وعرض الأدلة المؤيدة على العالم بشكل أكثر توثيقاً وحجية، مما يمكن للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى أن يقوم به.
وأشار «بهاء الدين» لـ«الوطن» إلى أن ثبوت حكم مدنى ضد إسرائيل فى هذه الدعوى القضائية أمام محكمة العدل الدولية، يُمكن أن يدعم موقف ضحايا العدوان الإسرائيلى المتقدمين بدعاوى أخرى جنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهى المحكمة المعنية بمحاكمة الأفراد لا الدول، وذلك للمطالبة بتعويضات لاحقاً.
ولفت إلى أنه نظراً لأهمية وخطورة المحاكمة، وآثارها السياسية والقانونية والإعلامية الخطيرة وإدراك إسرائيل لذلك، فقد اضطرت للمثول أمام المحكمة والاستعانة بأحد عمالقة القانون الدولى وهو المحامى البريطانى مالكولم شو، وتقديم الدفوع لإثبات عدم مخالفتها الاتفاقية الدولية الخاصة بالإبادة الجماعية، إدراكاً منها أن هذه لحظة فارقة فى تحديد المسئولية الأخلاقية والسياسية، والقانونية أيضاً.
«البياضى»: الحكم سيعنى مزيداً من الاعتراف الدولى بالظلم الواقع على الشعب الفلسطينى
بدوره، اعتبر النائب فريدى البياضى، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، أن الدعوى لها رمزية قوية أكثر من كونها يمكن أن تحقق نتائج عملية على الأرض فى غزة، خاصة أن قرارات كثيرة صدرت فى السابق، سواء من محكمة العدل أو من الأمم المتحدة وتنطوى على إدانات لإسرائيل وتطالبها بطلبات معينة، ولكن إسرائيل لم تنفذها، ويتم التعامل معها على أنها مجرد أوراق فى أدراج.
وأشار «البياضى» إلى أنه من بين القيمة الرمزية للمحاكمة أنها أظهرت الممارسات الوحشية والإجرامية لإسرائيل وممارسات الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى. وقد تضامنت مع جنوب أفريقيا فى الدعوى الكثير من الدول، حتى ولو لم تتدخل كلها رسمياً فى الدعوى، إلا أنها أعربت عن استعدادها لدعم جنوب أفريقيا بالأدلة، وفى نفس الوقت فقد أظهرت القضية الدول التى تنحاز لإسرائيل ضد أى منطق وضد العدالة الدولية والإنسانية. وأكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب أن القضية بهذا الشكل تتمتع برمزية كبيرة، والحكم فيها سيعنى مزيداً من الإدانات لإسرائيل والاعتراف الدولى بالظلم الواقع من جانبها على الشعب الفلسطينى.
«محمود»: حفزت الحركة العالمية المناهضة للحرب وجعلت «اليمين المتطرف» يدرك أن هناك من يراقبه
وفى السياق نفسه، يقول خالد محمود، المحلل السياسى والخبير فى الشئون الدولية، إنه وإن كانت هناك قيمة قانونية من زاوية اعتبارية لمحاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والحصول على حكم ضدها، لكن الأهمية أو القيمة الأساسية من وراء المحاكمة «إعلامية»، حيث أحدثت ضجة عالمية كانت فرصة للعالم كله أن يسمع من على منبر عالمى تفاصيل الجرائم الإسرائيلية، وهذا أعطى قوة دفع للمظاهرات التى حدثت فى كل مكان فى العالم، وحفز الحركة العالمية المناهضة للحرب على الشعب الفلسطينى وللإبادة الجماعية.
وقد أدت القضية، حسبما يشير محمود، إلى جعل الجرائم الإسرائيلية خبراً فى كل قناة تليفزيونية، بغض النظر عما إذا كانت مع أو ضد، وجعلت كثيرين لم يكونوا يعرفون تفاصيل ما يحدث فى فلسطين يعرفونها، وانتقلت من ليلة 7 أكتوبر إلى ما حدث بعدها.
أما القيمة الثانية للقضية والمتعلقة بالجانب الإعلامى أيضاً، كما يضيف: فمرتبطة بحقيقة أن معاهدة منع الإبادة الجماعية التى تحاكم إسرائيل بتهمة انتهاكها، نشأت فى أجواء وروحانية «المحرقة النازية لليهود» (الهولوكوست)، وعندما يحاكم أحفاد هؤلاء اليهود، ضحايا الهولوكوست، بوصفهم تحولوا إلى جناة وإلى نازيين، فهذا مكسب معنوى كبير جداً جداًَ.
ويعتقد «محمود» أن هناك أهمية أخرى للقضية تتعلق بمعركة وقف الحرب، حيث إنه «بالتأكيد فإن الضجة، سواء الإعلامية أو القانونية، التى أحدثتها القضية، جعلت الإسرائيليين يخففون إلى حد ما من العمليات الواسعة، وبعدما كان عدد الشهداء الفلسطينيين بالآلاف، أصبح بالمئات ثم بالعشرات، وأصبحت إسرائيل تراعى إلى حد كبير فى هجماتها أن تبتعد عن المدنيين بدرجة، وأصبح اليمين المتطرف فى إسرائيل يعرف أنه ليس وحده فى العالم، وأن هناك من يراقب