الأسماك المستوردة تغزو الإسكندرية.. والبائعون: "البحر بقى بخيل"
«البحر بقى بخيل»، هكذا عبّر البائعون فى حلقة السمك بالإسكندرية، وأضافوا: «بقى السمك المستورد هو طلب الأكيلة، البلدى سعره غالى، وبتاع بلاد بره على قد إيد الزبون»، هكذا لخّص البائعون فى حلقة أسماك الإسكندرية غزو الأسماك المثلجة والمستوردة ساحة الحلقة، وابتعاد الزبائن عن شراء الأسماك البلدية.
فى الساعة الخامسة فجراً من كل يوم تشهد حلقة السمك بمنطقة بحرى، التى تُعد البورصة الرئيسية لتداول الأسماك فى الإسكندرية، حالة طوارئ لمدة ساعة، إذ تصل البضائع الجديدة بكمياتها وأشكالها المختلفة من يد الصيادين والتجار المستوردين إلى بائعى الحلقة، ليبدأ مزاد علنى، يشترى كل تاجر ما يحلو له.
«صاحى وبيلعب وبـ10 جنى»، هكذا وباللهجة السكندرية ينادى مؤمن محروس، البائع فى حلقة الأسماك، على زبائنه ليروا ما لديه من بضائع، على الرغم من أن السمك يبدو فى سبات عميق.
يقول «محروس» لـ«الوطن»: «الناس عارفة إنه مثلج وإنه لا صاحى ولا بيلعب، بس هيعملوا إيه يعنى؟ غلابة وعايزين ياكلوا سمك وعارفين إن البلدى الطازة غالى عليهم، أنا ببيع البلطى بـ10 جنيه والكبير منه بـ15 جنيه، ودا علشان صينى، أما البلدى فسعره بيبقى من 14 إلى 25».
وأضاف البائع: «عادة كل واحد منا بيشترى طاولتين سمك طازة بلدى و8 طاولات مجمد مستورد، بنبيع الغالى للى يقدر يدفع تمنه والرخيص للى عايز ياكل سمك وخلاص».
ويضيف شلبى حمودة، البائع: الإقبال على الحلقة انخفض من سنين بسبب بيع الأسماك المجمدة، والناس بقت تستقرب وتشترى من الجمعيات الاستهلاكية والمحلات ما دام كله مثلج، خصوصاً الجمبرى والرنجة والتونة والفيليه.
وتابع «حمودة»: «بيع الأسماك المستوردة بأسعار منخفضة خطر كبير على سوق السمك بشكل عام، وبيهدد الحلقة والمزارع السمكية المحلية، وبيخلى التجار يستسهلوا ويزودوا المثلج على حساب الاهتمام بالصيد وتربية الأسماك بالأساليب المعروفة، بس نعمل إيه البحر بقى بخيل». وعلى ناصية الحلقة يقف جابر حسنين لينادى على بضاعته قائلاً: «بـ22 يا جمبرى يا طازة.. يا ألذ من اللذاذة»، وبالاقتراب من فرش البائع تبرز كومات من الجمبرى المتعدد الأحجام والألوان والأسعار. «الجمبرى الفيتنامى يبدأ من 22 ويصل إلى 35، والبلدى من 50 إلى 120»، هكذا يبرر البائع بيعه لكيلو وربع من الجمبرى بمبلغ 150 جنيهاً لإحدى السيدات الثريات، قائلاً: «كل برغوت على قد دمه، واللى يقدر يدفع ياخد حاجة نضيفة، واللى مايقدرش ياكل برضو، بس حاجة تعبانة وعلى قدها».
وأضاف «حسنين» لـ«الوطن»: «أنا بقف هنا وببيع سمك من أكتر من 20 سنة، بس الوضع اختلف فى السنين الأخيرة، الأول كنت ببيع السمك طازة وبيلعب بجد، وماكانش فيه سمكاية مستوردة بتدخل السوق، واللى كان بيجيب المثلج كنا إحنا بنطلعه بره ونديله علقة موت علشان بيسوّأ سمعتنا فى الحلقة، أما دلوقتى فبقينا كلنا فى الهم سوا، ماحدش يقدر يعتمد على البلدى لوحده، وإلا يفلس ويموت من الجوع هو وعياله».
أما الاستاكوزا فتقف منفردة بين أقرانها من الأسماك، إذ يبيعها المعلم أمجد علاء، وهو جالس على كرسيه ينتظر الزبون المهتم بشرائها، ويقول: «الاستاكوزا غالية، وزبونها مخصوص مش أى حد، بس أنا بجيب الفلبينى مش البلدى علشان أبيعها أرخص شوية، ببيعها بـ180 جنيه للكيلو، أما البلدى فممكن توصل لـ250 جنيه».
وأضاف: «الاستاكوزا حجمها كبير وماينفعش حد يشترى كيلو واحد، لازم على الأقل 2 أو 3 كيلو، وعلشان كده البلدى سوقه نايم، لكن لما حد بيطلب بلدى بحضّره من قبلها وبييجى يشتريه».
وبلهجة الخبير العارف، يفسر عم مجدى، أحد أقدم البائعين فى حلقة الأسماك، سبب الأزمة وانتشار المستورد والمجمد على حساب الطازج والبلدى، قائلاً: «الأزمة الحقيقية إن مفيش حد عايز يحل الموضوع من أول الخيط، اللى هو الصياد وكيفية توفير الظروف المناسبة ليه علشان يقدر يشتغل ويطلع إنتاج ومانحتاجش نستورد سمك من الخارج». ويضيف أنه «من حوالى 5 سنوات بدأت الأسماك المجمدة فى الانتشار بعد استيرادها من دول الإمارات العربية المتحدة والصين وفيتنام، بأسعار أقل من المحلية بكثير، لكن الأمر لم يكن مزعجاً لأنه لم يكن منافساً حقيقياً للسمك البلدى، إلى أن زادت الفروق بين الأسعار لدرجة وصلت إلى 50% فى بعض الأحوال غيرت من القضية». وأشار «مجدى» إلى أن كبار البائعين فى الحلقة وأسواق الأسماك الأخرى عقدوا اجتماعاً فى حينها، لمواجهة أزمة انتشار الأسماك المستوردة والمثلجة، بسبب الخطر الكبير الذى يهددهم جرّاء انتشارها، وتسببها فى ركود السوق المحلية، إلا أنهم لم يتمكنوا من اتخاذ أى خطوات بسبب رفض المسئولين مقترحاتهم فى هذا الشأن، على حد قوله. أما الصياد محمود مرزوق، فيقول: «من العار نكون فى مصر اللى فيها بحرين ونيل، ونشترى سمك مستورد ينافس إنتاجنا السمكى، ومن العار أيضاً نكون فى إسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، ونلاقى إن أهم أسواقها السمكية وبورصتها الرئيسية تغزوها الأسماك المجمدة». أما يوسف سعد، الصياد ببحيرة مريوط، فيقول إن هيئة الثروة السمكية، الجهة المسئولة عن مياه الملاحات، هى أهم الجهات المسئولة عن أزمة انتشار الأسماك المثلجة فى الإسكندرية، مطالباً بسرعة تقنين أوضاع الصيادين واستخراج التراخيص اللازمة لهم، وتقسيم الأفدنة عليهم.