"الجـدار".. قصة لـ هبة جلال
مضت قدماها متسارعتان، الوقت كان ليلًا والجو مظلمًا والهواء البارد يلفح وجهها ورقبتها اللتين حاوت تغطية معظمهما بمعطفها، لفها شعور غريب، تدراك بأهمية اللحظة، في تلك اللحظة كانت خارج بيئتها الطبيعية.
تتجول في شوارع وسط البلد وحدها ليلا تحمل في داخلها حملا ثقيلا لا تستطيع أن تبوح به لأحد، تستأنس في وحدة سيرها بألم مألوف يرتاح في صدرها، كيف لا يكون مألوفا وبينها وبينه 10 سنوات طوال فقدت القدرة على عدها، تستلهم من المكان توقا إلى الحرية، هذه شوارع تشربت بالدماء، تطل عليك الأبنية شامخة صامته رغم ضوضاء الهتافات وجلبة الرصاص، تكاد تنطق بتفاصيل أيام عاصفة، لكنها رغم ذلك.. باقية، سارت باتجاه سيارتها المركونة في أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من شارع محمد محمود، في نهاية الشارع كان الجدار.. لماذا ألف ولام التعريف؟، لأنه واحد من جدران عدة تحاصر وسط البلد، تحولها من شاهد على ثورة فكرية واجتماعية إلى سجن كبير، هذا الجدار هو واحد من جدران كثر غير مرئية، تحاصر أفكار جيل بأكمله، حشد في الميادين ثم ضاع حلمه تحت قبة البرلمان وبين أوراق الدستور، شيدت من حوله الجدران وبدلا من أن تخنقه أسوارها خط على أحجارها تمرده، فتحولت الجدران في حد ذاتها إدانة لمن بنوها، تنبهت من أفكارها عندما لمحت شاب يجلس القرفصاء على الأرض موليا ظهره إليها، ضوء عمود الإنارة الوحيد لم يكن كافيا للتبين ما كان يفعل في البداية، اختلست النظر إليه.. كان يكتب على الحائط، حملت قدميها على السير يغالبها الفضول، ترى ماذا يكتب؟.. كانت بحاجة إلى أن تفهم قصته ولماذا اقحم في تكوين صورتها؟. [SecondImage]
اقتربت منه مترددة لا تعرف كيف تبادره السؤال، يراودها خوف وتغالبها حاجة إلى قراءة ما خطه قلمه في ثنيات الحائط، خرج صوتها مبحوحا: "هل أستطيع أن اقرأ ما تكتب؟"، ظلت واقفة في مكانها على بعد أمتار حينما استدار إليها قائلاً: "اقتربي" كان رسما لفتاة دون شعر.. عرفت أنها فتاة لأنه رسم لها أقراطا وحول الرسم خليطا مبعثرا من الكلمات، اقتربت أكثر لتقرأ، "فشل، يأس، حب، موت.." زحام من الكلمات، كلها سلبي، وبدأ يحكي عن منة الله الحسيني.. "عملنا كل حاجة مع بعض بس هي مشيت وخدت بردو كل حاجة معاها..النصبة..والحب وكل حاجة".
خرجت كلمة الحب منه بسهولة، ببساطة، بينما هي تهابها، بينها وبين تلك الكلمة ما لا تتحمل ذكره وتخشاه، وفيما تدير محرك سيارتها سمعته يهتف باسمه وباسم الجاليري الخاص به.